من 2-12-1917م إلى 3-8-2005م.. 88 عاماً عاشتها نسيبة بنت كعب القرن العشرين، كما كان يناديها أبوها الإمام الأزهري حافظ القرآن الكريم، ومع ذلك، فقد اتخذت زينب الغزالي كلّ الصَّحابيات والصَّالحات قدوة لها.
كانت عائشة بنت أبي بكر في سعة علمها.. خديجة بنت خويلد في عظيم تضحياتها من أجل الدعوة.. كانت أم سلمة في حكمتها.. وسمية آل ياسر في صبرها على الابتلاءات.. زينب الغزالي هي مريم العذراء في عفتها، وزينب بنت جحش في سخائها وجودها، ورابعة العدوية في زهدها وعبادتها.
إن تحدثنا عن علمها؛ فقد ناضلت وتحدَّت أخاها الأكبر بعد وفاة أبيها حتى تكمل تعليمها الثانوي، وكانت ستسافر إلى فرنسا لتدرس التمريض إلاَّ أنَّ أباها أتاها في المنام وأمرها بالبقاء في مصر، وفي عام 1957 حين سافرت إلى السعودية لتأدية مناسك الحج قامت بزيارة الشيخ المفتي الأكبر للمملكة لتناقش معه مذكرة قدَّمتها لجلالة الملك تشرح فيها ضرورة تعليم المرأة في المملكة والإسراع في تنفيذ ذلك المشروع، مبيِّنة مصلحة المملكة في ذلك، وقد تمَّ لها ما أرادت، ففتحت المدارس أمام الطالبات السعوديات في أوائل الستينيات.
وقد ألَّفت زينب الغزالي العديد من الكتب التي تدعو فيها لإصلاح المجتمعات الإسلامية؛ أهمّها أول تفسير للقرآن الكريم بقلم امرأة مسلمة منذ فجر الإسلام، ألا وهو ((نظرات في كتاب الله))، كما فتحت بيتها لمجالس العلم والعلماء في كل الأوقات.
ماذا عن دعوتها؟
أسَّست زينب الغزالي جمعية السيِّدات المسلمات، بهدف نشر الدعوة بين المصريات عام 1936، ثمَّ أنشأت مجلة السيدات المسلمات ناذرة نفسها للدعوة في سبيل الله، لاغية فكرة الزَّواج من حياتها، إلاَّ أنَّ القضاء والقدر قدَّر لها الزواج برجل أعمال غني (أحمد سالم سالم) ليظهر زهدها، فعندما خيّرها بأنواع المال مهراً لها، أجابت أنَّها تريد زوجاً لا يحول بينها وبين الدَّعوة إلى الله وهداية الناس، فدمعت عينا زوجها تعجباً من زهدها وصدقها وإخلاصها..
الكرم صفة ملازمة للعظماء
الجود في حياة زينب الغزالي كان واضحاً وضوح الشمس، فقد تبرعت بغرفة جلوس صنعت من الأرابيسك مرصَّعة بالصدف ليؤثث بها مكتب المرشد العام، كما تبرَّعت بمجوهراتها إلى عائلات الأسرى، وسخرت جمعية النساء المسلمات لخدمتهن.
منذ منتصف الثمانينات، وحتى أواخر التسعينات أي ما يقارب 15 عاماً دأبت زينب الغزالي في النصف الأول من رمضان أن تعدَّ موائد رمضانية لكبار رجال العمل الإسلامي، مهتمة بإعداد أصناف الطعام التي يحبونها.
إنَّ الله إذا أحبَّ عبداً.. ابتلاه
تعرَّضت زينب الغزالي لكثير من المصائب والفتن، فالله لا يبتلي المؤمن إلاَّ ليصطفيه، سوومت لتكتب في مجلة السيدات المسلمات ما يملى عليها مقابل 300 جنيه، وأن تخرج من السجن وتصبح وزيرة للشؤون الاجتماعية مقابل التنازل عن فكرها، فبرز زهدها، ابتليت بابتلاء نادراً ما ابتليت به امرأة عبر التاريخ؛ ألا وهو السجن فظهر صبرها وصدقها، صبرت على جلدها بالسوط وجلوسها في الماء لساعات طوال دون حراك، صبرت على نهش الكلاب لجسدها، وماذا كانت تفعل بعد هذه الآلام والأوجاع والجوع والعطش؟ كانت تحافظ على مواقيت الصَّلاة خصوصاً الفجر وقيام الليل، كانت تداوم على أذكارها ودعائها فبان صدقها.
قضت 6 سنوات في السجن ذاقت خلالها أقسى الليالي وأشدّ الآلام، وعندما صرّح لها بالخروج تذكرت معاني الأخوة بينها وبين حميدة قطب شريكتها في الحجرة، فآثرت المكوث في السجن على الخروج لوحدها دون أختها، إلاَّ أنَّ السلطات رفضت طلبها وأصرَّت على إخراجها.
بعد خروجها من السجن عام 1976 قضت حياتها في الدَّعوة إلى الله، سافرت إلى كثير من دول العالم، وحضرت العديد من المؤتمرات والندوات.
رحم الله زينب الغزالي، إذ كانت قد سارت على نهج الصَّالحين والعابدين، فإنّها الآن وبعد وفاتها أصبحت هي قدوة يحتذي بها المتقون.
------------------------------------------
للاستزادة:
- كتاب ((أيام من حياتي)) لزينب الغزالي.