يتطلب العمل الدعوي دائماً التخطيط الجيّد لتحقيق الأهداف المنشودة منه، بدلا من الشروع في عمل مشاريع دون رؤية واضحة تنتهي إلى الفشل المحتوم والارتباك وعدم تحقيق الأهداف، وهي مشكلة خطيرة منتشرة في حقلنا الدّعوي، فأعمال كثيرة تضيع هباءً بسبب آفة ضعف التخطيط.
والتخطيط ما هو إلاَّ عملية لتجميع المعلومات وافتراض توقعات في المستقبل من أجل صياغة النشاطات اللازمة لتحقيق الهدف.
تغلب على العثرات
ويرى الكثيرون أنَّ التخطيط هو نوع من "ارتكاب الخطأ على الورق"، أي: قبل الشروع في التنفيذ، وبالتالي من يفشل في التخطيط فهو يخطّط للفشل، لذلك مطلوب من الدّعاة والمربين أن يغرسوا في أنفسهم ويعلموا الآخرين أهمية التَّخطيط للأعمال، حيث إنَّ ضعف التخطيط داخل المؤسسة الدَّعوية يسبب حالة من الارتباك وضياع الهدف نتيجة عدم قدرة المتربِّي على توقع العثرات والمنعطفات والطرق التي تعترض طريقه أثناء محاولته الوصول لهدفه، أمَّا إذا استطاع المرء التَّخطيط جيّداً، وأن يستقي من المعلومات المتاحة له توقعات تساعده في التغلب على تلك العثرات، فإنَّ رؤيته تتضح أكثر لطريقه ومن ثمَّ يصل إلى هدفه.
ومشكلة ضعف التَّخطيط من المشكلات المنتشرة داخل المؤسسة الدعوية، ومظاهرها عديدة وجلية للجميع، فأهمها عدم تحقيق الأفراد للأهداف المنوطة بهم، وانتشار الفوضى وعدم الدّقة في أداء الأعمال، وعدم معرفة العاملين داخل الحقل الدعوي بكثير من آليات الأعمال المنوطة بهم، وما هو ضروري وما هو غير ذلك.
بالإضافة إلى أنَّ معظم الأهداف المرحلية وسائلها واحدة وتقليدية، وعدم تحديد الدعاة أهداف وغايات البرامج والمشروعات الدَّعوية، وعدم وضوح الهدف لكثير من العاملين في الدعوة، فهو لا شكَّ يدرك الهدف العام وهو تبليغ دين الله ولكنَّه قد يجهل الأهداف الخاصة لكلِّ برنامج دعوي مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى التأثير السلبي عليها تُذهب بفوائد تلك البرامج الدعوية.
وعدم التجديد في الأساليب والوسائل الدعوية والتمسك بالأساليب التقليدية، وعدم ترتيب الأوليات والأولويات لدى العاملين والقائمين على البرنامج الدعوي ممَّا يساعد في اختيار الأهم منها عند حدوث تضارب أو تداخل، أو عند الحاجة لتقديم برنامج على الآخر، أو إلغاء أحدهما، أو غير ذلك.
وعدم توفير كثير من النفقات المالية والجهود البشرية التي توضع في غير موضعها بسبب ضعف التخطيط أو انعدامه، ولاشكَّ أنَّ عدم وجود تصور واضح للميزانيات المتوقعة لتنفيذ البرنامج هو من آثار ضعف التخطيط، وضعف التنسيق بين العاملين أو الجهات الدعوية في الساحة الدعوية، سواء في التنسيق في توزيع المواقع الجغرافية، أو التخصص في البرامج الدَّعوية.
عدم وضوح الأهداف
أسباب عديدة كانت وراء عدم اهتمام أفراد المؤسسة الدَّعوية بالتَّخطيط للأعمال داخل المؤسسة أهمها عدم تحديد الأهداف بما يتناسب مع الطَّاقة الموجودة والإمكانات المتاحة، وعند البدء في العمل يفاجأ بأنَّ الأهداف المطلوبة لا يمكن أن تتحقق بالطاقات الموجودة ولا الإمكانات المتاحة، بالإضافة على عدم التوقف ومراجعة الخطة، والارتكان فقط إلى الحماسة المتوفرة للخطة دونماً تخطيط، وأيضاً بناء الخطَّة على حقائق وهمية أو عاطفية وليس على دراسات على أرض الواقع، والتقييم الخاطئ لطاقات بعض الأفراد، وبالتالي يظهر الضعف عند التطبيق.
ومن الأسباب أيضاً عدم تقسيم الأهداف الكبرى إلى أهداف مرحلية ليسهل تحقيقها، بل يقوم بخلط الجميع معاً أو تركها من غير تقسيم مما يجعلها صعبة التحقيق، وعدم تعيين جهة تنفيذ بل يتركز العمل على المؤسسة بشكل عام أو على بعض القياديين فيها، وتجاهل وضع سياسات للخطة يجعلها تسير من غير ضوابط الأمر الذي يتسبب في كثير من الاجتهادات التي تضعف العمل أو تجهضه كليا، فضلاً عن عدم وجود فترات تقييم مرحلية يجعل من العصب تدارك السلبيات.
وحلّ مشكلة ضعف التخطيط لدى الأفراد داخل المؤسسة الدَّعوية يتطلب أولا التوكّل على الله والاعتقاد الجازم بأنَّه هو القادر على كلِّ شيء، وبذل جميع الأسباب الممكنة، ووضع خطة مشتملة على أهداف رئيسة، وكل هدف رئيس يقسّم إلى أهداف مرحلية، وكذا وضع هدف كمي محدّد، وتعيين المنفذ لكلِّ هدف، وتحديد وسائل لكلِّ هدف مرحلي، ووضع مدَّة زمنية لتحقيق الهدف، وكذلك القيام بدراسات واستفتاءات من داخل المؤسسة وخارجها، وعمل مسح للبقعة الجغرافية المراد العمل فيها لمعرفة جميع الإمكانات المتاحة ونقاط الضعف والقوة في الداخل والخارج، وتقييم الخطط القديمة والاستفادة من جوانب القوة والضعف فيها.
والمتابعة الدَّائمة من القيادة لوحدات المؤسسة للتأكد من تطبيق الخطة واستدراك النواقص التي تحول دون تحقيقها، ومراجعة الخطَّة بين مدَّة وأخرى، وتقسم الخطّة إلى مرحلتين أو ثلاث لتقييم كلّ مرحلة على حدة، وإضافة المستجدات على السَّاحة، والاستفادة من خطط المؤسسات المشابهة في عملها، والمعرفة الدقيقة لجميع الطاقات الموجود، وتحديد قوة كلّ طاقة على حدة، ووضع البديل لكلِّ منفذ كإجراء وقائي.