يحتاج المقبلون على "القفص الذهبي" نصائح ممَّن يمتلكون الخبرة، وممَّن لا يتعاملون مع الأمر من منظور مادي فقط، فالزَّواج رباط حياة وشراكة لصناعة أمَّة تحقّق هدف الله سبحانه وتعالى من وجود البشرية؛ وهي إعمار الأرض وعبادة الله تعالى، فهذه همسات محبَّةٍ مجبولة بالحرص نبعثها لكلِّ مقبِل على دخول ما يسمَّى بـ "القفص الذهبي"، وما دفعنا إلى ذلك إلاَّ أننا نسمع ونرى اليوم ألواناً من المشاكل بين الأزواج ما كنا نراها سابقا، ونرى جهلاً في أهداف الارتباط وأسس العلاقة الزوجية.
فنسبة الطلاق تزداد يوماً بعد يوم، والدراسات تدلّ على ارتفاعها في السنوات الأولى من الزَّواج، وجزء من هذه المشاكل تقع مسؤوليته على تقصير الأهل والمربين في تنوير النشء وتربيته على أسس قويمة مستقاة من شرع الله الحنيف، فينحرف الشباب عن الجادة، ويصبح اختيار الشريك مبنياً على أسس ما أنزل الله بها من سلطان، فتلك تبحث عن فارس على حصان أبيض يأخذها إلى غرفة الشموع على شاطئ البحر، المندفع دوماً بعاطفة لاهبة نحوها، وهو يبحث إما عن نسخة مصغرة من أم، أو عن مستنسخ من شخصية ما يريدها بشكلها ولونها وقياساتها!!
همسة محبة واعية
إلى كلِّ خاطبٍ ومخطوبة..
إلى كلِّ من خطا خطواته الأولى لتأسيس أسرة وبناء مجتمع صغير..
وإلى كلّ من أنعم الله عليهما بتيسير أمر خطبتهما، والتي تعدّ بمنزلة مقدمة زواج، وبداية تأسيس الأسرة المسلمة..
لزاماً عليكما شكر النعمة، والشكر يكون بالطاعة..
والعيب كلّ العيب أن يعطي الكريم، فيفجُر العبد المحتاج..
فلتكن تقوى الله رفيقكما في دربكما سوياً..
ولتكن طاعته ديدنكما منذ البداية..
همسة في الاختيار
يقول الله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين)، [التوبة-109].
ألا إنَّ تقوى الله أساس..
ألا إنَّ البناء لا يقوم بلبنة لينة، فمن أراد للبنيان قوَّة، فلا تساهل بمتانة الأساس وثباته.
فللشباب همسة نبوية أصيلة: ((فاظفر بذات الدين تربت يداك))، وللفتيات همسة مثلها: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)).
إنَّه الالتزام بأمر الله في الاختيار ولا تساهل في هذا، فما أجمل الخلق إذا اقترن بالدِّين، أمَّا القبول أو النفور المبدئي، فمن الجلسة الشرعية التي هي حق، فإن تمَّ القبول المبدئي فاستخارةٌ ثم استشارة، فما خاب من استخار، وما ندم من استشار.
همسة في التزام الحدود
ما أجمل أن يعيش الإنسان حياته بالحلال، يراقب الله عز وجل في كل أفعاله وأقواله، فحياته لله وبالله وفي الله، فهنيئا لمن كان هذا دربه ودأبه.
فاختيار الشريك كان بتيسير وفضل من الله عز وجل, ومن شكر المنعم الامتثال لأوامره واجتناب نواهيه.
إنَّ الارتباط نعمة من أجلّ النعم ولا ريب، لكن المغبون من انشغل بالنعمة عن المُنعِم، والخاسر كل الخسران من اتخذ من نِعَمِ ربه فُرُشا يعصيه عليها.
الخِطبة ما هي إلاَّ وعد بالزواج.. ليس إلاَّ..
وعليه، فإنَّ علاقة الخاطبين لا تعدو كونها علاقة أجانب، لا يجمعهما سوى ذاك الوعد.
وعلى هذا، فإنَّ الخلوة هنا محرمة.. والخضوع بالقول محرم.. وإبداء الزينة محرم..
وردّدا: (ربنا إنا تركنا ما نحب من أجل ما تُحب، فاجعل ما تُحب هو كل ما نحب واكتب لنا فعل ما تحب، فحبك غاية ما نحب).
همسة محبَّة
أيّها العصفوران الجميلان، لله درّ من عرف الطريق وجهز الزاد، أنتما اليوم في بداية الطريق، لا تريان سوى أزهاراً وثماراً وأنهاراً.
ولكن..
للزهر أشواك.. وللنهر تيار..
فالزَّواج ليس فستاناً أبيضاً وبذلة أنيقةً سوداء.
ليس حفلة وزينة وألحان..
إنما هو سنة الله في خلقه، وهو هدي الأنبياء والمرسلين، وفيه المودَّة والاستقرار.
إنَّه بداية المشروع الأسمى هدفاً في تاريخ البشرية، فلا أعظم من مؤسسة زواج ناجحة قدّمت للمجتمع براعم صالحة، تكون لبنةً قوية متماسكة فيه.
أيُّها الغاليان.. كونا على قدر المسؤولية، واعلما أنَّ الأمَّة تنتظركما للحاق بركب البناء والعطاء..
همسة أخيرة
همسة إليه منها..
وإليها منه..
همسة..
أتمنى أن يهمس بها كلُّ خاطب..
وأن تهمس بها كل مخطوبة..
أريدك لي عوناً على نفسي، فنحن في هذا الأمر نحتاج إلى توفيق الله بدءاً ومنتهى، وبركة الله في الزواج نرجو، ورضاه عنا نبتغي، عسى الله أن يخرج من ذريتنا أبطالاً مجاهدين، وهو سبحانه على ذاكَ قدير.
يقول الإمام الشافعي:
إذا لم أجد خلاّ تقيّا فوحدتي ألذ وأشهى من غوي أعاشره
وأجلس وحدي للعبادة آمناً أقرّ لعيني من جليس أحاذره
ولكما منَّا كلُّ الحب..