كثير من المسلمين في هذا الزَّمان لا يعرفون "حقيقة" الإسلام ، ولا يدركون "روحه" الحيَّة ، ولا يقفون على "مقاصده" العظيمة ، رغم أنَّهم يصلّون ويصومون، وبعضهم يدرسون ويطالعون، وبعضهم يؤلفون ويكتبون، وبعضهم "شيوخ" يخطبون ويتحدثون، ويظهرون على الفضائيات، يفتون ويحللون ويحرمون .
حقيقة الإسلام أيّها المتحدثون والمفتون أنه "ثورة" ، نعم ثورة _وأرجو أن لا تخافوا عندما تسمعون هذه الكلمة_ إنَّه ثورة على الباطل والفساد، والظلم والطغيان، والبغي والاستبداد، والذل والاستعباد .. وأعظم كلمة فيه في روحها ثورة .. إنَّ شهادة الحق : "لا إله إلاَّ الله" في بعض مظاهرها ثورة قوية على الكفر بالله والشرك به ، ورفض ألوهية أو ربوبية غيره من "المخاليق" ..
وتتجلى ثورة الإسلام في أنه يوجب على كل مسلم الجهاد في سبيل الله _ وأرجو أن لا يخاف بعض " المشايخ" من هذه الكلمة عندما يسمعونها -، لأنَّ "الحكام" يحاربونها ولا يطيقون سماعها_ وصور الجهاد وميادينه وأساليبه عديدة ، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإنكار على الحكام الظالمين ظلمهم وجورهم وطغيانهم . ومعلوم أن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر !! وصدق ذلك الشاعر المجاهد حيث يقول :
برئ الإسلام من شاكٍ مهين لا يراه غير صوم أو صلاة
إنما الدين جهاد في الصميم فلنجاهد أو لتلفظنا الحياة
وقد أخبرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ "رحى" الإسلام ومعاركه مستمرة ، وأنَّه سيفترق القرآن والسلطان، ودعانا إلى اختيار طريق القرآن، والابتعاد عن طريق السلطان، عندما يجور ويطغى ويخالف القرآن ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( ألا إنَّ رحى الإسلام دائرة، فدوروا مع الإسلام حيث دار، ألا إن القرآن والسلطان سيفترقان ، فلا تفارقوا الكتاب..)).
والمصيبة أن بعض الشيوخ في هذه الأيام _ومنهم من يزعم أنه "سلفي"_ يريدون "تفريغ" الإسلام من روحه الثورية الجهادية، في إنكار المنكر، ورفض الطغيان، وفي المطالبة بالحقوق، والاهتمام بالأمة وقضاياها ، ويريدون "تطويع" هذا الإسلام الثائر لأهواء الحكام الطغاة، ويدعون إلى طاعتهم على أنهم "أولو الأمر"، ويحترمون على أي مسلم الإنكار عليهم ، أو الخروج في مسيرات للمطالبة بالحقوق، وأن من فعل ذلك فهو مرتكب جريمة يعذب عليها عند الله ، ويزعمون أن هذا "الاستخذاء" هو منهج السلف الصالح !! ونسي هؤلاء "المشايخ" الزاعمون موقف شهيد كربلاء الحسين بن علي رضي الله عنهما !!
الإسلام الثائر المجاهد الحي يحرم على المسلم السكوت على الظلم، والرضا بالباطل، والقبول بالذل .
وصدق إمامنا الشافعي السلفي رحمه الله؛ حيث قال :
همَّتي همَّة الملوك ونفسي نفس حرّ ترى المذلة كفراً
نقولها بالفم الملآن : نرفض فتاوى هؤلاء الشيوخ المثبطين، الذين سكتوا عن طغيان الطغاة، وأثموا من أنكروا منكرهم، وانحازوا إلى باطل الحكام !!