من كتب الحديث النبوي التي تلقتها الأمَّة الإسلامية بالقبول، كتاب ألَّفه إمام فاضل عربي أصيل من إقليم خراسان، وتاجر ذو مال وثروة، فجمع في سيرته بين العلم النَّافع والعمل الصالح؛ إنَّه الإمام مسلم الذي ذاع صيته واشتهر كتابه بـ ((صحيح مسلم)) ..
الإمام مسلم في سطور ..
هو الإمام الحجَّة مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ، أبو الحسين القشيري النيسابوري.
ولد سنة 204هـ بنيسابور، وهي مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة معدن الفضلاء، ومنبع العلماء، كما وصفها ياقوت الحموي في معجم البلدان.
بدأ سماع الحديث النبوي وعمره لم يتجاوز اثنتي عشرة سنة .
تلقَّى الإمام مسلم العلم عن جموع من العلماء من أبرزهم هؤلاء الأئمَّة: (عبد الله بن مسلمة القعنبي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وقتيبة بن سعيد، وسعيد بن منصور، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن بشار بندار، وهناد بن السري، والبخاري، وعبد الله الدارمي).
كان الإمام مسلم بالإضافة إلى عمله تاجر قماش، حيث وصفة الحاكم بقوله: كان متجرُ مسلم خان محمش – اسم موضع -، ومعاشه من ضياعه بأستوا -ناحية من نواحي نيسابور-). وقال الذهبي: (وكان صاحب تجارة، وكان محسن نيسابور، وله أملاك وثروة).
من مؤلفاته المطبوعة : الجامع المسند الصحيح؛ (وهو موضوع حديثنا)، التمييز، الكنى والأسماء، الطبقات، المنفردات والوحدان، رجال عروة بن الزبير).
قال أبو قريش محمد بن جمعة بن خلف: سمعت بنداراً محمَّد بن بشار يقول: حفاظ الدنيا أربعة : (أبو زرعة بالرّي، ومسلم بن الحجاج بنيسابور، وعبد الله بن عبد الرَّحمن الدارمي بسمرقند، ومحمَّد بن إسماعيل ببخارى).
توفي الإمام مسلم في شهر رجب سنة (261هـ)، فرحمه الله رحمة واسعة.
((الجامع المسند الصحيح)) ..
يسمَّى كتاب الإمام مسلم بـ((الجامع المسند الصحيح))، ويشتهر بـ((صحيح مسلم)) اختصاراً.
وهو كتاب جامع في أحاديث النبي صلَّى الله عليه وسلم، واقتصر مؤلفه على ما صح، وتجنب الضعيف، ولا يعتني بذكر الموقوفات، والمقطوعات، وأقوال العلماء، وآرائهم الفقهية..
كان الإمام مسلم يقول: (يقول: صنَّفت هذا ((المسند الصَّحيح)) من ثلاث مئة ألف حديث مسموعة).
وقال: ( ما وضعت في هذا ((المسند)) شيئاً إلاَّ بحجَّة، ولا أسقطت شيئاً منه إلاَّ بحجَّة).
قال أحمد بن سلمة : (كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة).
قال ابن حجر في مقدمة ((فتح الباري)): إنَّ مسلماً صنَّف كتابه في بلده، بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ، ويتحرى في السياق.
وسئل الإمام مسلم عن حديث؟ فقال: (هو عندي صحيح). فقيل له: لِمَ لَمْ تَضَعْهُ ههنا؟ قال: (ليس كلُّ شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنَّما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه).
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( قال أحمد بن سلمة : ... وهو اثنا عشر ألف حديث ، قلت [الذهبي]: يعني بالمكرّر؛ بحيث إنَّه إذا قال: حدثنا قتيبة ، وأخبرنا ابن رمح يعدان حديثين اتفق لفظهما، أو اختلف في كلمة).
قال الإمام ابن الصلاح : (جميع ما في صحيح مسلم بلا تكرار: نحو أربعة آلاف).من شروحه ومختصراته:
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لأبي زكريا محي الدّين بن شرف النووي، المتوفى سنة (676 هـ).
المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم للحافظ أبي العباس القرطبي، المتوفى سنة (656هـ).
مختصر صحيح مسلم المسمَّى: ((الجامع المعلِم لمقاصد جامع مسلم))، للحافظ زكي الدين المنذري، المتوفى سنة (656هـ).
وقد ذكر صاحب ((الرسالة المستطرفة)) أكثر من مئة كتاب ألِّفت على صحيح مسلم بين شرح واختصار وتلخيص.
بين البخاري ومسلم ..
يقول الإمام النووي رحمه الله في ((شرحه لصحيح مسلم)): (اتفق العلماء رحمهم الله على أنَّ أصح الكتب بعد القرآن العزيز: ((الصحيحان))؛ البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمَّة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة. وقد صح أنَّ مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنَّه ليس له نظير في علم الحديث. وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث).
-------------------------------
مراجع للاستزادة :
سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي
الرسالة المستطرفة لمحمَّد بن جعفر الكتاني