تتعالى أصوات الآباء والأمهات اليوم، باحثين عن حلول لمشكلاتهم مع الأبناء كباراً وصغاراً.. أطفالاً ومراهقين، تلك المشكلات التي لم يعد يخلو منها بيت مسلم في ظل الفوضى العارمة التي تسود العالم في جميع جوانبه..
ويتقاسم الآباء والأمهات طرفيْ نقيض، فإمَّا غاضب ناقم يضرب بالسَّوط ويرفض أي تغيير في النمط التربوي الموروث من الجد السَّابع، ويعتبر أي دعوة إلى المرونة والتريّث بل والتعلم ضرباً من الخروج على مبادئ الأبوية المقدسة.
وإمَّا رافع للراية البيضاء، يعلن الاستسلام المطلق لقوَّة الواقع المنفتح بلا حدود، ويطلق الشكاوى مبللة بالدّموع تارة، وممتزجة بالآهات والآلام تارة أخرى.
وبينهما قلة من الأهل عرفوا الطريق الحق، وأدركوا عظم الدَّور واستعدوا له بما ينبغي، فكان لهم ما يريدون من قرَّة العين في الولد..
"الحكمة ضالة المؤمن.."
إنَّ الانضمام إلى أيّ طرف من النقيضيْن يمثل خطراً يهدد مستقبل الأمة بأكملها، فكلاً من القسوة العمياء والاستسلام الجاهل لن يخرّج لنا جيلاً نأمل أن يحقق ما تصبو إليه أمة الإسلام من نهضة وتنمية.
بل إن نظرة سريعة لأبناء المسلمين الذين يتواجدون على مقاعد الدراسة اليوم، بأشكالهم وسلوكياتهم ومهاراتهم واهتماماتهم، لتضع أمامنا علامة استفهام كبيرة عما ننتظره بعد أن يشب هؤلاء ليصبحوا هم الصَّف الأوَّل الذي يقود هذه الأمَّة!!
إنَّ الحكمة تقتضي من كلِّ صاحب عقل سليم، أن يقف وقفة صادقة، ويعلن النفير للعاقلين من حوله لإحداث نقلة نوعية في التربية الوالدية في البيوت المسلمة اليوم..
مطابق للمواصفات..
تتعالى الأصوات في عالم اليوم مطالبة بإنسان مطابق لمواصفات الجودة في مهاراته ومعارفه، وتشترط المؤسسات قائمة من الكفايات المهنية للمتقدم لشغل أي وظيفة، وكلَّما ازدادت أهمية الوظيفة وخطورتها، ازدادت قائمة الكفايات والشروط صرامة وتعقيداً.
أليس من العجب أن يدخل الزَّوج والزَّوجة إلى أصعب مهمة في الحياة، وهي مهمَّة تربية الأبناء دون أن يكونا مسلحيْن بألف باء التربية، بل يترك لكلِّ زوجيْن جديديْن فرصة التجريب على كيان كائن بشري واحد على الأقل، ليخطوا على شخصيته محاولاتهم الناشئة عن الموروث تقليداً أو رفضاً، وتخرج للحياة مثل هذه النماذج لتبدأ رحلة التجربة من جيد مع جيل جديد.. وهكذا..
ليس هذا طعناً في تربية الآباء والأجداد، ولا ادعاء بأن ما عانوه من أجل تربية الأجيال ليس بمقدر!! لا.. بل هي دعوة إلى تجديد الأدوات لتجدّد الزّمان، هي دعوة للاستعداد بما يمكّن كل أب وأم من معايشة أولادهم والتحدّث إليهم باللغة التي يفهمونها، لغة الحاسب والشبكة العنكبوتية، وتجاوز الزّمان والمكان، واختلاط الثقافات والانفتاح على الشعوب، وما يرافق هذا من إعجاب بالآخر، وذوبان للهوية والذَّات نتيجة الشعور بالضعف العلمي أو التكنولوجي.
رحلة التعلم..
قد منّ الله علينا بأهل العلم المهتمين بميادين التربية في هذا الزَّمان، ولهم من المؤلفات والدورات والندوات ما يروي ظمأ العطشى للفهم والتعلم، فلا تتردد عزيزي الأب، وغاليتي الأم من أن تبحثا عن أي وسيلة تستطيعان من خلالها الاطلاع على ما استجد في ميدان التربية، وما استجد في علوم الكمبيوتر والإنترنت، فالجهل بهذه العلوم بات اليوم من علامات "التخلّف" التي لا يرضاها لنا أولادنا فضلاً عن أن نرضاها نحن لأنفسنا..
- حاول زيارة المكتبة كلّ مدَّة واختيار كتاب تربوي جديد تقرؤه.
- ابحث عن أقرب مركز تربوي يعنى بالشؤون الأسرية وسجل اسمك ورقم هاتفك لديهم واطلب منهم التواصل معك في البرامج التي يقدّمونها.
- لا تتردّد في طلب العون والمساعدة من أي شخص تعتقد أنَّ لديه علماً قد يفيدك.
- اتفق مع أصدقائك على تخصيص جلسة أسبوعية أو شهرية للنقاش حول قضايا تربوية تخص الأبناء وتربيتهم.
- الشبكة العنكبوتية مليئة بالمعلومات الرَّائعة، كما أنَّ فيها الغثَّ مختلطاً بالسّمين، تخيّر المواقع الأكثر علمية واقرأ يومياً.