"ادعي لها بالزَّوج الصالح"، هذا ما كانت تردّده الطبيبة النسائية على صديقتي، وهي تعاني آلام الطلق التي لا يخرج معها سوى الصراخ وزفرات الوجع، الذي كلما زاد زاد معه تذكير الطبيبة بذات الدعاء أملاً أن يكون هذا المقام العسير الذي تكاد فيه روح الأم تخرج من جسدها لتعطي بأمر الله حياة لروح جديدة مقام استجابة وتحقيق.
قد تبدو غريبة ومبكرة وصية الطبيبة لأم الجنين الأنثى التي لما تخرج بعد من الرّحم، ولم ترَ نور الدنيا، ولم تعد من البشر، وستمضي سنين ليست بالقليلة قبل أن يكون هناك مجال لتحقق الدّعاء!! ولماذا الدعاء بالزَّوج الصَّالح وليس أي شيء آخر من عطايا الدنيا ونعم الله؟!
لماذا وفي هذه اللحظة الحاسمة والجنين الأنثى تنتظر الولوج إلى الدنيا بأول نظرة وأول صرخة وأول دمعة وأول حضن؟
هل أدركت الطبيبة معنى الحديث الشريف، الذي يرويه أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد..))، رواه البخاري ومسلم.
وعلمت أنَّ الزَّوج الصَّالح من أحد أهم أسباب السَّعادة، وأنَّ صلاحه يحفظ بقية النعم من رزق وأجل وعمل، بينما سوءه يضيّق الرّزق والدّنيا في العين، ويمنِّي النفس بانقضاء الأجل أو الزّواج خروجاً من الكرب العظيم؟
ويعضد هذا المفهوم في أنَّ الزَّوج الصَّالح من خير نعم الدنيا أحاديث أخرى؛ منها: ((ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة))، رواه ابن ماجه مرفوعاً، و((الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصَّالحة))، رواه مسلم والنسائي وابن ماجه، وصحيح أنَّ الخطاب للرَّجل هنا، ولكنَّه يستوي للمرأة بذات الأهمية فالعلاقة تبادلية والخير تشاركي، كما جعل الإسلام الزواج كمال نصف الدين، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا تزوّج العبد فقد كمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي))، رواه الطبراني والبيهقي، وكان من شدة صلاح بعض أزواج الصحابة أن رغبت زوجاتهن في صحبتهن في الدنيا والآخرة فدعت أم الدرداء: ((اللهم إنك أكرمتني بصحبة أبي الدرداء في الدنيا من غير أن أسألك فلا تحرمنيها في الجنة وأنا أسألك))، بينما يكون البعض فتنة لا يصلح معه إلاَّ أبغض الحلال، وتكون المرأة الرابحة والناجية، ولو ألبسها المجتمع الذنب من غير جرم!
ولكن المبدأ مع وضوحه في أهمية الزّوج الصَّالح إلاَّ أنَّ التطبيق والمعروض في واقع الحياة يجعل الاختيار صعباً، وأراد الرَّسول أن يسهّل علينا الأمور، فجعل الأسبقية للدين والخلق، وفي هذه لا تكفي ممارسة العبادات، فالرجل قد يصلي ويقوم بالفرائض ثم لا يحترم زوجته ولا يحسن إليها ولا يعاملها بالرفق ولا يحرص على نفعها والارتقاء بها!
وقد ينعته المجتمع بالتدين، وهو لا يراعي حرمة المرأة وعواطفها ويعاملها كالبهيمة التي اشتراها بصك زواج؟
وعندما لا تكفي العبادات وشهادة الناس بحسن الظاهر، فماذا يدل على الناس وأحوالهم وبواطنهم؟ كم يبدو الدُّعاء بالزَّوج الصَّالح سهلاً ومحبّباً، وقد كان ذلك قبل أن تفسد ذمَّة النَّاس ويكون التملق والتزين وحتَّى الكذب مدخلهم على الإناث ليتكشف بعد الخطبة والزَّواج ما لا يحمد عقباه والكسر الأكبر من نصيب الأنثى، لذا كان الدعاء لها بالتوفيق أوجب وألزم، فالزواج ليست تجربة أو لعبة إما تصيب وإمّا تخيّب لأنَّها إن خابت فنتائجها كسر للمرأة وكسور في أسرتين وكسر في المجتمع عندما يتعادى أفراده وتتغير نفوسهم واكتشاف الأخلاق يحتاج إلى مدَّة وتعامل، ولكن ماذا عن حكم الشرع والخطبة بدون عقد، وهذه تحتاج إلى رأي الفقهاء ودراسة أحوال المجتمع التي تبيّن أنَّ الطلاق والطلاق قبل الدخول خاصة في ازدياد مطرد؟ هل من الممكن التمهل في عقد القران رغبة في التعارف بشكل أعمق بضوابط في السلوك والدخول والخروج وعدم الخلوة أو الكشف حتى نتجنب مشكلة الطلاق قبل الزواج التي تعد طلاقا على أي حال، و تبقى الأنثى بالذات تحمل أوزراها وصفتها؟
وماذا عن الكفاءة الاجتماعية بين الزَّوج والزوجة والتشابه في ظروف المعيشة؟ أليست هذه أيضاً من الصلاح بمعناه العام الذي يعين على التوافق والانسجام؟
الزَّوج الصالح مع حسن دينه وخلقه هو من يجعل من نفسه كما قال "هوميروس" أبا و أخا وأمّاً لزوجته، لأنَّ التي تركت كل هؤلاء من أجله تستحق أن تجد فيه كل أقاربها وبنفس عواطفهم ومروءتهم، والمطالب ليست رومنسية ولا مستحيلة ولا غريبة عن ديننا وثقافتنا، إنَّها تجليلات المودة والرحمة التي جعلت أساس الزواج وهو تقديم المرء لنفسه في شخص زوجته، فالكريم من أكرمهن واللئيم من أهانهن.
هي لائحة طويلة، ولكن الزَّمن الصَّعب جعل التفصيل مهما لعلّ الله يحفظ لنا بناتنا، فلذات أكبادنا فيكون زواجهن فرحاً وامتداداً وعضداً في الدنيا وأملاً بلقاء أعظم في الجنَّة جعل أعظم الأزواج يستبشر ويبشر به أعظم الزوجات، إذ قال: ((يَا عائشةُ، إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ الْمَوْتَ إِنِّي أُرِيتُكِ زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ))، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 23/ 39، وقال يوصي ويصبر ويضرب المثل في شرع من قبلنا: ((إنَّ الله يوصيكم بالنِّساء خيراً فإنَّهن أمهاتكم، وبناتكم، وخالاتكم، إنَّ الرَّجل من أهل الكتاب يتزوّج المرأة وما يعلق يداها الخيط؛ فما يرغب واحد منهما عن صاحبه حتى يموت هرماً))، أخرجه الطبراني.