تروي الأسطورة الإغريقية أنَّ نحاتاً اسمه (بجماليون) كان يكره النِّساء، وأحجم عن الزَّواج للهروب من مشاكلهن، ولكنَّه نحت تمثال امرأة ضمَّنه كلّ ما تصوّره عن تفاصيل المرأة المثالية في الشكل والجسم، فعاقبته الآلهة بأن أوقعته في حبِّ التمثال، فأطلق عليها اسم (جالاتيا)، ولزمها لزوم الزوج لزوجته وظل يبكي طالبا من الآلهة أن تبث الحياة في أوصالها فاستجابت آلهة الحب (فينوس) لتوسلاته وأحيتها فتزوجها وأنجب منها، ولقد أعاد الفيلسوف الانجليزي (برنارد شو) إحياء الأسطورة في مسرحية حملت اسم (النحَّات بجماليون)، وبطلها أستاذ صوتيات ولغويات يتبنى امرأة من الشَّارع، ويحوِّلها إلى سيِّدة مجتمع بعد أن علَّمها النُّطق الصَّحيح، ووقع في حبِّها عن غير قصد، وقد تلقفت (هوليود) القصة، فأنتجت واحداً من أشهر أفلامها بعنوان: (سيِّدتي الجميلة) "My Fair Lady"، وكان للعرب نصيبهم من القصة، فكتب توفيق الحكيم النسخة العربية من (بجماليون)، وأنتجت مصر نسختها العربية من فلم: (سيِّدتي الجميلة).
وليست قصة الكمال الأنثوي من وجهة نظر ذكورية مجرَّد أمنيات وتخيّلات أدبية، فكثير من الرِّجال كانوا وما زالوا يبحثون عن زوجة لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، وتكون أجمل الجميلات على مدى أربع وعشرين ساعة، بمفعول يدوم ويدوم ويدوم أطول من بطاريات "انرجايزر"، وتكون بمهارة أمهاتهم في الطبخ، لا تكل ولا تمل ولا تشتكي، وتكون رهن إشارة من إصبعهم الصَّغير.
ولا بأس، إذا استطاع الرَّجل أن يتباهى بها أمام الآخرين، ولكن بالقدر الذي لا يفوق ذكاءه ومكانته، بل يكون إطراء لحسن اختياره، فالزَّواج من المرأة الغبيَّة تعاسة كما يقول المثل، ومن الذكيَّة شقاء، والحل بين الاثنتين وبالمقابل يتوقع المجتمع أن لا تطلب المرأة في الرّجل أيّ مميّزات، ولا تتوقع منه شيئاً، فيكفيها أنَّه تزوجها وأنقذها من براثن العنوسة، وعليها لرد الفضل وشكر الجميل أن تكون جمل المحامل في حياته، وقد وضع بعض الظرفاء على سبيل التندر الذي أصاب كثيراً من كبد الحقيقة ما أسموه الأسباب التي تجعلك سعيداً لأنَّك رجل، وهي في معظمها ثناء على ديناميكية الرجل وسرعة بديهته وعدم تكلفه وصدقه في التعامل والغمز بالمقابل على المرأة أنَّها ضد ذلك كلّه، وكان من ما ذكروا أنَّ الرَّجل ينهي المكالمة التليفونية في ثلاثين دقيقة، وباطن الرِّسالة يقول: إنَّ المرأة تمضي ساعات على الهاتف متناسين الطبيعة الاجتماعية التي تصنِّف المرأة في دائرة الماهرة في التواصل الاجتماعي، والرَّجل في خانة المفتقرين إلى أساليبه، ومتناسين أيضاً أنَّ لدى بعض النساء ما قد يطحنهن ليل نهار، فهن بحاجة أكبر للتنفيس والمشاركة، بينما كثير من الرِّجال يأتي البيت كسي السيّد أو كعلاء الدين يتوقَّع من امرأته أن تكون الجني تردّد دائماً شبيك لبيك وما تتمنى بين يديك.
أمَّا السبب الآخر للسعادة والكمال الرُّجولي، فالرَّجل يستحم ويكون جاهزاً للخروج في عشر دقائق وينسى واضعو قاعة التميّز هذه أنَّ المرأة تهتم أكثر بالتفاصيل؛ سواء أكانت في النظافة أو الأناقة، وحتَّى بلباسها الإسلامي تحتاج وقتاً أطول لكي تستعد للخروج، وهذا ممَّا لا يعيب أو يشكل مزيّة لجنس على آخر، ويرتبط بهذا السبب أيضاً أنَّ الرَّجل كما يقولون: يحتاج لشنطة واحدة عند السفر، بينما المرأة تحتاج لعربة من الشنط، وقد يكون الرجل أحد أسباب هذه الزيادة في شنط المرأة فهو يريد أن يراها امرأة جديدة كل دقيقة بكل ألوان الطيف، كما أنَّ المرأة تحمل أغراض أولادها معها لتبقى أغراض الأب في شنطة لوحدها، مخافة أن تتسخ أو تتجعد بعد الكي، وفي هذه أيضاً تُلام، ولا حمداً ولا شكوراً.
والسبب الرَّابع يقول: إنَّ الأصدقاء الرِّجال لا يهتمون إذا ازداد أو نقص وزنهم، وكذلك صديقات المرأة، ولكن الهوس بالوزن سببه الرِّجال والأزواج على الخصوص الذين يسمحون لأنفسهم أن تبلغ كروشهم عنان السَّماء، بينما يهدِّدون زوجاتهم على زيادة الغرامات.
وسبب آخر أنَّ الرِّجال عند تقليب المحطات لا يتوقفون عند كلِّ لقطة فيها شخص يبكي، وماذا نفعل لهم إن نزع الله الرَّحمة من قلوبهم، وهل نطالب النساء بأن يصبحوا جلموداً كالصّخر؟!
سبب إضافي لسعادة الرَّجل هو أنَّ مزاجه واحد في كلِّ الأوقات، وهذا صحيح لأنَّ كثيراً منهم يفرغون أمزجة السوء في البيت والأولاد ويخرجون للنَّاس والأصدقاء خارج البيت بنفسية مشرقة، يغدقون الآخرين بمعارف الحياة الزوجية السعيدة، وقلة قليلة منهم كسيِّدنا عمر رضي الله عنه يتحمَّل تقلّب مزاج الزَّوجة ويراها حقاً لها إذ قال للرجل الذي جاء يشكو له زوجته إنَّه هو ذاته يتحمَّل كلَّ ما يصدر عن زوجته؛ فهي تطبخ طعامه وتخبز خبزه وتغسل ثوبه وترضع ولده ويسكن قلبه بها عن الحرام.
وغيرها وغيرها من أسباب السعادة بالذكورة.
إنَّ طلب الكمال والمثالية شيء مستحيل في الرَّجل والمرأة، ولكن من غلبت محاسنه على مساوئه، فذلكم الرَّجل وتلكم المرأة، وما بينهما يتجاوز عنه كرام النفس والأخلاق.
وفي سباق اللهاث المستعر للبحث عن المرأة المثالية طالعتنا وسائل الإعلام بخبر عن رجل ياباني أنفق 16 ألف يورو، وباع سيارته وأخذ قرضاً من البنك ليصنع زوجة آلية مثالية بحسب رأيه تقوم بجميع أعمال المنزل على مدى الأربع وعشرين ساعة، ولا تتحدَّث إلاَّ إذا طلب منها، و تقرأ الجريدة بصوت عالٍ، وتتعرّف على المشروب المفضَّل، وشكلها جذَّاب، وعمرها عشرون عاماً، وتتعرَّف على الألوان وبعض الوجوه، وتقرأ اليابانية والانجليزية، وتنطق 13 ألف جملة في اللغتين، وتحل المعادلات الرياضية، وتتعرف على الاتجاهات، وتنفعل جسدياً إذا لمست في بعض المواضع، وبرَّر (لي ترونج)، والبالغ من العمر 33 عاماً خطوته هذه ليأسه من العثور على فتاة أحلامه بنفس مواصفات زوجته الآلية.
وبعيداً عن تفتقات الابتكار والإبداع، فإنَّ اللجوء إلى مثل هذه الشطحات قد يخفي وراءه انحرافات نفسية، فالبشر يأنسون بالبشر مثلهم وليس بالجمادات أو الحيوانات مثلما فعلت أيضا الكاتبة البريطانية (ماري كوريللي) التي صرَّحت قائلة: (لا أريد زوجاً؛ لأنَّ لديَّ حيوانات أليفة تؤدي نفس دوره، لديّ كلب ينبح كلَّ صباح، وببغاء تثرثر طوال الظهر والعصر، وهر يأتي خلسة إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل).
وهذا انحراف في فطرة الآدميين، فقد ظلَّ سيّدنا آدم في حزن حتَّى خلق الله له حواء ليسكن إليها، وعانت حياتهما الزوجية من التقلبات بالعصيان والنزول من الجنَّة والافتراق واقتتال ولديهما، فهذه سنة الحياة الزوجية التي ليست كلّها عسلاً ولا بصلاً، ولكنَّها لا تخلو من الاثنين، وكما الفطور لا يكمل إلاَّ بالعسل، كذلك الغداء لا يحلو إلاَّ بالبصل.
وصدق الشاعر:
ومن ذا الذي ترضى سَجَاياه كلّها كفى المرء نبلاً أن تعدَّ معايبه
وقد أدرك زوج من الثلة المتقدّمين أنَّ الكمال والهناء قد يكون في قبول النقص والرضى به، فقد سئل أبو عثمان النيسابوري: ما أرجى عملك عندك؟ فقال: كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوّج فآبى، فجاءتني امرأة، فقالت: يا أبا عثمان، إنّي قد هويتك، وأنا أسألك بالله أن تتزوّجني، فأحضرت أباها، وكان فقيراً، فزوجني وفرح بذلك، فلَّما دخلت إلي رأيتها عوراء عرجاء مشوَّهة، وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج، فأقعد حفظا لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئاً، وكأنِّي على جمر الغضا، فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتَّى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي لقلبها، وعسى أن يعود هذا الزَّمان من المثالية والكمال.
المرأة المثالية.. والرجل الأمثل
شاهد أيضاً
إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية
قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …