زينة الحياة الدُّنيا .. حافظوا عليها

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » زينة الحياة الدُّنيا .. حافظوا عليها

أصواتُ صرخات مدوّية هزّت البناء الذي نسكنه، ساد بعدها هدوءٌ ما بعد العاصفة..
اعتدنا هذا كلَّ يوم، نستيقظ على زغاريد حنجرتها، وننام على أهازيج شجار أخوي..
تلك جارتنا، أنعم الله عليها بثلاثةٍ من الأبناء، لا تنفك تدعو عليهم ليل نهار..
اقتربتُ من باب منزلها، ورفعت يدي لأطرقه، لكنَّني تراجعت مستسلمة، فقد حدّثتها مراراً، ولكنّها كانت تقول لي دوماً: (لو كنت مكاني لفعلت أكثر من ذلك، هؤلاء شياطين، احمدي ربّك، أنَّه عفا عنك وريّحك منهم).

كنت دوماً أتساءل: لو رزقني الله بأطفال، هل سأكون قاسيةً عليهم مثلها.. إنَّها لا تسمح لهم بلمس أثاث المنزل، ولا باللعب داخله، فكلُّ شيء ممنوع وكأنَّ البيتَ متحف للآثار النَّادرة، وأختنا تعمل حارساً وحيداً، والأبناء هم المخرّبون!!

مشيت بخطىً متثاقلةً نحو باب منزلي، فتحته ودخلت، جلست على الأريكة، واستسلمت للبكاء..
هدوء قاتل يلف المكان.. كم بتُّ أكره هذا الهدوء!

إنَّه اليوم يقتلني!
آه.. لو رزقني الله بطفل واحد فقط، لا يهم، حتَّى لو كانت فتاة، مع أنَّ زوجي كان دوماً يفضِّل الذكور على الإناث..

أذكر حينما قال لي: (لن أنتظرك طويلاً، إن لم تنجبي لي ابناً يحمل اسمي، فهيّئي نفسك لاستقبال ضرَّة).

للأسف تكسّر كبرياؤه على باب عيادة الطَّبيب، عندما علم أنّه غير قادرٍ على الإنجاب.
نعم، لم أتركه في محنته، ولم أفكِّر يوماً في طلب الطَّلاق، ورضيت أن أكون زوجةً.

لا تدرك الأمومة.. فماذا سيقول النَّاس عنِّي إن تركته.. بل محالٌ أن يستقبلني أبي في بيته، فالمرأة في تقاليد العائلة تصبر أو تصبر.. ولا ثالث لهما.

تبعثرت أفكاري مع طرقات خجولةٍ على بابي..
من الطَّارق، يا ترى؟
مسحت دمعاتي وقمت إلى الباب وفتحته، بادرني بوجهٍ طفولي لامع، وعينين تُشعّان طُهراً وبراءةً.. وكأنَّها المرَّة الأولى التي أرى فيها طفلاً.. سبحان خالقك ما أروعك.. سبحان من أبدع فأخرج من الخلق خلقاً أروع.. يدان صغيرتان منتفختان وفم وردي مدوَّر.. عينان جاحظتان، كأنَّما تدور فيهما آلاف الأسئلة.

قاطع همسات خاطري بصوت متعتع: (خالتو عندك ثكر).
يا ألله.. ما أجمل لثغتة.. كل ما فيهم جميل بل رائع.

أذكر أنَّني أعطيته يومها كلّ ما كان عندي من سكر.. حملها متثاقلاً ونظراتي المشفقة الحانية، ترافقه حتَّى غاب عنها..
لماذا يُعامَلون بتلك القسوة يا ترى؟؟

تقولون: إنَّكم تقسون عليهم لمحبتكم لهم، وبأنكم تريدون لهم الأفضل.. وتريدونهم شامةً بين البشر.

تقيّدونهم كي يقال عنهم: (مؤدَّبون). وتمنعونهم الكلام كي يقال: إنَّهم يحترمون الكبار..
تعلمونهم شعائر ما أنزل الله بها من سلطان، ممنوعٌ اللَّمس، خطر الموت بعاصفةٍ صوتيةٍ.

أهم شيء تفوّقوا في دراستكم، في جميع المواد (عشان تبيضوا وجه العيله).

للأسف.. حتَّى في طريقة تربية أبنائنا تغزونا أفكار الأنظمة الديكتاتورية، فنعتصر داخل قوالب محكمة، ونعصر أبناءنا حتَّى الإنهاك.
كم تمنيت أن أصرخ عالياً: يا مَنْ أكرمكم الله بأن رزقَكم من  (زينة الحياة الدنيا) أدّوا حقّ الله عليكم في طاعته، واستسقوا من هدي خير البشر في التَّربية.. تأديب بمحبَّة، وتقويم بحلم، وعلم بقدوة صالحة.

أدِّبُوا أبناءَكم وعلّموهم، لكن امزجوا ذلك بقبلات المحبَّة، وغمرات الود، وهمسات الحَنان.

إلى كلِّ من أنعم الله عليه بنعمة يتمناها كثيرون، ويسعى وراءها الآلاف فيدفعون النفيس ليسمعوا كلمةً تسمعونها متى شئتم، وتشعرون بدفئها متى أردتم، ولكنَّكم للأسف متمنّعون.
أطلقوا العنان لمشاعركم.. دعوها تفيض على أبنائكم فغيركم يتمناها.

انظر في عينيه الآن بمحبَّةِ الوالد واخلع عنك كل الدروع والحواجز، وقل له:
(أشكر الله الذي منحني إياك.. فأنت زينة حياتي.. أحبك).

فيا ليتني كنت مكانك..

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …