فن إدارة الخلاف بين المتربين

الرئيسية » بصائر تربوية » فن إدارة الخلاف بين المتربين
opinions18

تختلف العقول دائماً في نظرتها للأمور، وكلُّ شخص يشكِّل رأيه بناءً على ما لديه من معطيات، ومن هنا تكون عملية الخلاف في الآراء، بيد أنَّ الخلاف داخل المؤسسة التربوية يكون له تأثيراً كبيراً على قطاعات من الشباب لا يحمد عقباها، خاصة إذا خرجت تلك الخلافات إلى السَّطح، والاختلاف في الأمور أمر محمود إذا نتج عنه تنوّع في الآراء وصبّ في المصلحة العامة، لكنَّ هناك اختلافاً مذموماً ينتج عنه دائماً التَّعصب والتَّحزّب، وهو ما يؤثر على المؤسسة الدَّعوية وعلى أفرادها، ويقول الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران- 105).
ويترك الاختلاف المذموم آثاراً سلبية على المتربين، وخاصة الشباب والناشئة على وجه الخصوص، ولذلك حذَّر النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم من أن يقود الاختلاف في الأمور إلى الفرقة والتحزّب والعصبية، كما يؤدِّي إلى اختلال موازين الأخوّة والثّقة ويورِّث نوعاً من الجفاء والكراهية أحياناً، كما يضع الشباب دائماً في موضع الحيرة والقلق، وربما يدفع هذا التَّعصب بعض الشباب إلى ترك الصَّف والمؤسسة الدَّعوية كلية، كما أنَّه يخلق نوعاً من التّطرّف والغلو وخاصة إذا كان هناك من لا يستطيع أن يتعامل بإيجابية مع الرَّأي المخالف له ويتمسك برأيه.

تنمية القدرة

ولعلَّ علاج التداعيات السلبية للخلاف بين المتربين، وتربيتهم على القدرة على تحمّل هذا الخلاف بحيث لا يؤثر عليهم وعلى أفكارهم سلبياً، يتطلب تنمية القدرة أولا على التَّعامل الإيجابي مع مسائل الخلاف، وذلك من خلال منهج تربوي يخطّط لمعالجة تلك الأمور، بالإضافة إلى المواقف التربوية التي يجب أن تؤصل لتلك الفكرة، فالمتربي يتلقى في الموقف التربوي كثيراً من القيم والثقافة بصورة غير مقصودة من المربين والدّعاة.

وتتمحور عملية التربية للتعامل الإيجابي مع الاختلاف في عدَّة أمور؛ أولها الجانب الوجداني، فينبغي العلم أولاً أنَّ الخلاف ليس كلّه نتاجَ موقفٍ فكري واقتناعٍ علمي، والنَّاس لا يتسمون بموضوعية عالية يتعاملون فيها مع الأفكار دون مؤثر ذاتي؛ فالجانب الوجداني والقلبي له أثره في تشكيل مواقف النَّاس وتعاملهم، ومن هنا فالتَّربية لابدَّ أن تعنى بالبناء القلبي والوجداني الذي يترك أثره في التعامل مع مواقف الخلاف، ولذلك ينبغي أن تأخذ التربية لمعالجة هذا الجانب عدَّة أمور؛ ومن أهمها غرس معاني: الصِّدق، والتجرّد لله ربِّ العالمين وابتغاء مرضاته، وابتغاء الوصول إلى الحق والسَّعي له، وحسن الظن، وصفاء القلب للمسلمين، ومحبَّة الخير لهم، والبعد عن الحقد والحسد، والتَّواضع ولين الجانب، ومن أهم ما يحقّق هذه المعاني لدى المتربين أن يروا القدوات العملية، فيلمسوا من القدوات والمسؤولين التربويين والسياسيين من يلتزم بهذه المعاني بتطبيقها في سلوكهم وتعاملهم قبل أن يسمعوها في مقالهم.

موقف أخلاقي

الجانب الثاني الذي يجب أن تهتم به العملية التربوية في تربية الأفراد للتعامل الإيجابي مع القضايا الخلافية، هو الجانب السلوكي والأخلاقي، والذي له أثر بارز في التعامل مع الخلاف والتواصل مع الآخرين، بل يوصف دائماً موقف الخلاف بأنَّه موقف أخلاقي، ولذلك يجب تعزيز ذلك الجانب في المتربين، وتمثل الأخلاق الحسنة العالية من قبل القدوات وممارستها عملياً، والفصل بين الغيرة على الدّين، والحب في الله والبغض فيه، وبين الممارسات الجافية البعيدة عن هدي من قال عن نفسه صلَّى الله عليه وسلّم: ((إنما بعثت لأتمِّم مكارمَ الأخلاق)). (صحَّحه الألباني).

السِّمات الشَّخصية

الأمر الثالث، وهو السِّمات الشَّخصية التي تترك أثرها على الإنسان وتعامله، وتبدو نتائجها على كافة مواقفه وتعاطيه مع مشكلات الحياة الشخصية والأسرية والفكرية والدَّعوية، والمتربي وهو يتعامل مع المواقف الفكرية لا ينفصل عن طبيعته وذاته، ورغم سعة تأثير السِّمات الشَّخصية على حياة الشاب إلاَّ أنَّها لا تلقى الاهتمام التَّربوي الكافي، ولذلك يجب تنمية صفات الاعتدال، والهدوء والاتزان؛ إذ يسود لدى الشباب الانفعال في الكثير من المواقف في هذه المرحلة العمرية من حياتهم، وحين يكون الانفعال مجرَّد انعكاس لطبيعة المرحلة والنّمو لدى الشَّاب فالأمر قد لا يثير قلقاً كبيراً، ولكن على المربين أن يهذِّبوا هذه الصِّفة بتربيتهم وتنمية روح وخلق الاعتدال والتَّوازن والهدوء في تعاملهم مع أيِّ رأي قد يخالف وجهة نظرهم، كما ينبغي العلم أنَّ التَّعامل مع مواقف الخلاف ليس مجرَّد اقتناع فكري بل هو اندماجٌ مع الواقع وتعايشٌ معه، وهذا يتطلَّب تدريب الفرد على اكتساب مهارة القدرة على المواءمة بين الحفاظ على قناعاته، والمرونة في التَّعامل مع الرَّأي المخالف، وتقبّل الآخر كشريك لك في تحقيق الأهداف والرّؤى.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …