يعدُّ التخطيط سرَّ النَّجاح لمن يعتمده أسلوباً في حياته، وإنَّ الداعية لهي أولى الناس بأن يكون التخطيط نهجاً أصيلاً في حياتها، يقول الرافعي: (إذا لم تزد شيئاً على الدنيا.. كنت أنت زائدة عليها، وإذا لم تكن لك بصمة في الحياة.. فلا قيمة لحياتك).
فما هو التخطيط؟
هناك عدَّة تعاريف للتَّخطيط منها:
1. التَّخطيط هو: مرحلة التفكير التي تسبق تنفيذ أيّ عمل، والتي تنتهي باتخاذ القرارات المتعلّقة بما يجب عمله، وكيف يتم، ومتى يتم.
2. التَّخطيط هو: في الواقع يشمل التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل مع الاستعداد لها المستقبل.
3. أو هو نشاط إداري يقوم على تحديد الأهداف والأعمال والأنشطة الواجب القيام بها بالإمكانيات المتاحة، وفي وقت محدّد لتحقيق تلك الأهداف.
لو نظرنا في كتابنا الكريم، لوجدنا كيف أنَّ التَّخطيط قد ذكره الله تعالى في عدَّة آيات منها:
1. {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، [الأنفال: 60]، فالإعداد هنا معناه التخطيط، ولا سيّما أنَّ مضمون القوَّة لم يحدد.
2. معنى المكر، قال تعالى: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ}، [الأنفال:30]، فالمكر هنا معناه التخطيط والتدبير، فالمشركون يمكرون، بمعنى يخطَّطون ويدبرون، ويمكر الله بمعنى يخطط ويدبر.
3. كذلك ورد التَّخطيط في سورة يوسف عندما فسّر الرُّؤيا التي رآها الملك، فكانت أعظم خطَّة اقتصادية عرفها التاريخ.
4. الهجرة النبوية من مكَّة إلى المدينة، نجد عنصر التخطيط فيها واضحاً جليا في..
- اختيار الوقت المناسب.
- اختيار الطريق المناسب.
-اختيار مكان الاختباء.
- توزيع الأدوار.
- تضليل المشركين بنوم سيّدنا عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه في فراش رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.
بعد أن عرفنا التأصيل الشرعي لمفهوم التخطيط، دعونا نستعرض أهمية التَّخطيط، لماذا يعدُّ التخطيط مهماً في حياة المسلمة؟
1) صاحبة الرِّسالة مخطِّطة؛ إنَّ المسلمة الَّتي لها هدف وغاية وتحمل رسالة في الحياة، يجب أن تخطّط لتنفيذ هذه الرِّسالة، وإلاَّ ستبقى حبيسة في قلبها، لا فائدة منها.
2) يساعد على الوصول إلى الهدف، فمن كانت لها هدف ما، يجب أن تضع خطة حتَّى تصل لتحقيق هذا الهدف.
3) يسهل التقويم، عندما تضعين خطة لحياتك مكتوبة، سيسهل عليك تقويم انجازاتك بين مدَّة وأخرى.
4) يمنحك الثقة نحو السَّير إلى الهدف.
5) يمكنك من اكتشاف الأخطار وتجنبها.
6) تحققين الاستثمار الأمثل للوقت والجهد.
7) يؤدِّي إلى التغيير نحو الأفضل.
8) يقلِّل من الأزمات.
9) يعدُّ التخطيط قوَّةً دافعة تجعل الإنسان ينطلق لتحقيق أهدافه بهمَّة عالية.
10) تعدّد الأدوار يفرض ذلك، فالمسلمة تلعب عدَّة أدوار في نفس الوقت فهي أم وداعية وقد تكون تعمل في الخارج، فتعدّد الأدوار هذا يفرض على الشخص أن يضع خطة لكل دور حتى يتمكن من النجاح في كل الأدوار.
فإذا كان للتخطيط تلك الأهمية في حياة أيّ مسلمة، فمن باب أولى أن تحرص المسلمة الدَّاعية على التزام التَّخطيط منهجاً لها في طريق دعوتها، وذلك لما له من فوائد عظيمة؛ مثل:
1. إنَّ التخطيط يحدِّد أهداف الدَّاعية وغايات البرامج والمشروعات الدعوية، كما يفيد في حسن الأداء أثناء التنفيذ والتقويم الدقيق بعد ذلك.
2. يساعد التخطيط في اختيار طرق الدَّعوة المناسبة والملائمة لكلِّ داعية بحسب قدراتها وإمكاناتها.
3. يجعل من السَّهل التوقع لمعوّقات البرنامج الدَّعوي التي قد تفاجأ بها الدَّاعية أثناء أو قبل تنفيذ البرنامج.
4. يسهم التَّخطيط في ترتيب الأولويات لدى العاملات والقائمات على البرنامج الدَّعوي ممَّا يساعد على اختبار الأهم؛ منها عند حدوث تضارب أو تداخل.
5. يحدث التخطيط كثيرا من الانسجام والتناسق بين أعمال الدَّاعية، ممَّا يمنع الازدواجية والتَّضارب في أعمالها وبرامجها، فلا تضيع الجهود والأوقات.
6. يعمل التَّخطيط على توفير الكثير من النفقات المالية والجهود البشرية التي توضع في غير موضعها بسبب قلَّة التخطيط.
7. يفيد التَّخطيط في التَّجديد في الأساليب والوسائل الدَّعوية، وفي البعد عن الرَّتابة والتمسك بالأساليب التقليدية.
8. يفيد التَّخطيط في التنسيق بين العاملات أو الجهات الدَّعوية في السَّاحة الدَّعوية بأشكال مختلفة.
9. يسهم في معرفة مواضع الضعف في القوى البشرية، ومن ثم تحديد البرامج التدريبية اللاَّزمة للارتقاء بالكفاءات الدَّعوية.
10. يفيد التَّخطيط في تحديد مهام العاملات في البرنامج الدَّعوي، أو الخطة الدعوية عموماً، بطريقة أدائهن، ممَّا يساعد على إدارتهن وتوجيههن بالطَّريقة المناسبة لتحقيق الأهداف المطلوبة.
11. يزيد التَّخطيط في استغلال الفرص الدعوية، حيث يفيد الإعداد المبكر، وحسن التوقيت للبرامج، وجمع المعلومات الخاص بالبرامج، وخصوصاً مواعد إقامتها، وتحديد ذلك مسبقاً، والإعداد الجيِّد له.
12. يفيد التَّخطيط في جعل البرامج والخطط أكثر شموليةً وتكاملاً.
13. يساعد التَّخطيط على استمرار الجهود الدعوية، فكثيرا ما تتوقف الأنشطة وتتعطل البرامج بسبب حدوث المفاجآت مثل سوء التوقيت أو لعدم وجود بدائل لهذه الحالات الطَّارئة.
أمَّا إذا ترك الإنسان حياته تسير بلا تخطيط، فقد يترتب على ذلك مخاطر عديدة منها:
1) من يفتقد التَّخطيط يكون عُرضة للمشاكل النفسية والصدمات.
2) فقدان المسار الصَّحيح إلى أهدافهم.
3) عدم إكمال ما بدأناه من مشاريع، ممَّا يعود علينا بخيبة الأمل.
4) فقدان الحكمة في التَّعامل مع الأمور.
5) بعثرة الجهود وإهدار الطَّاقات نتيجة للفوضى.
وأخيراً.. إنْ لم تختر الداعية ما الَّذي تريده من الحياة، فإنَّ الحياة نفسها هي التي ستختار لها.
ولنا في السَّلف الصَّالح خير قدوة في انتهاج مبدأ التَّخطيط في حياتهم؛ فها هو..
- عمر بن عبد العزيز، كان يقول: إنَّ لي نفساً توَّاقة.. فقد طمح في الزَّواج من ابنة عمه وتزوجها.. وراوده حلم إمارة المسلمين فصار أميراً عليهم، وحين تحقَّقت كلّ أحلامه قال: والآن نفسي تاقت إلى الله..
- كان الطَّبري يؤلِّف كلَّ يوم أربعين ورقة، مكث على ذلك أربعين سنة.
- وكان النووي يقرأ القرآن وهو يبري قلمه لئلا يضيع الوقت بلا فائدة.
وغيرهم الكثير ممَّن خطَّط لحياته، فكانت له بصمة لا تنسى في التاريخ فلنكن مثلهم.
مراجع للاستزادة:
- (( خطّط لحياتك)) – مرام أحمد كردي
- (( إستراتيجية التَّخطيط)) – طارق سويدان
- (( كيف تخطّط لحياتك؟))- صلاح الراشد
- (( أيقظ قواك الخفيَّة )) – أنتوني روبنز