نائلة بنت الفرافصة .. بصمةٌ بأصابع مبتورة

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » نائلة بنت الفرافصة .. بصمةٌ بأصابع مبتورة
alt

إنَّ من النساء من إذا مرَّ التاريخ على اسمها افتخر.. وإذا لمح الزَّمان صفاتها حنّ إلى مثيلاتها،  من النساء من رسمن صوراً رائعةً من الصّمود والتَّحدّي، والشُّموخ والكبرياء والعزَّة، ووضعن على كفّ الأيام بصمة لن تُمحى ولو طال الزمن.

من النِّساء من هي ليست مجرّد امرأة تمرّ عليها ريح الزَّمن فتصير غباراً أو أثراً بعد عين.. بل تُجبل روحها بتراب الفخر فيُنثر في الأرجاء ليستنشق شذاه كلّ العابرين إلى يوم الدين، من بين هؤلاء نائلةُ بنت الفرافصة بن الأحوص..
اسم لم يمر على الكثيرين لتقصيرٍ من الدّعاة والمهتمين، ولو يُذكر المرء لعظمته أو شجاعته، أو أخلاقه، كان حريٌ بالخلائق أجمعين أن تذكر تلك المرأة الجليلة.

هي رمزٌ للشجاعة والصبر والصمود، وهي ذات الأدب والبلاغة والفصاحة، خطبها عثمان بن عفان وحملها إلى المدينة.. وكان أهلها من النَّصارى فأسلمت على يد زوجها عثمان بن عفان.. وحظيت في بيته بمكانة كبيرة، فكان عثمان يستشيرها دائماً لسداد رأيها.

وعندما قامت الفتنة الكبرى.. برزت شجاعة نائلة وصمودها بوقوفها إلى جانب زوجها، فما أن ألقى الرِّجال حبالهم على أسوار منزله حتَّى هرعت إليه تتلقى عنه ضربات السُّيوف، فقطعت أناملها، فصرخت على رباحٍ غلام عثمان، فأسرع نحو الرجل فقتله، وبينما كانت تهرع لإمساك سيف رجل ثان قُطعت أصابع يدها الأخرى، وحين همّوا بقطع رأسه ألقت عليه بنفسها إلاَّ أنَّهم لم يرحموا ضعفها، ولم يعرفوا لعثمان قدره، فقطعوا رأسه، ومثلّوا به، فصاحت والدّم يسيل من أطرافها: إنَّ أمير المؤمنين قد قُتل .. إنَّ أمير المؤمنين قد قُتل.
ثمَّ دخل رجل عقب مقتل عثمان، فإذا رأسه في حجرها.

فقال لها: اكشفي عن وجهه. قالت ولم؟ قال: ألطم حُرّ وجهه. قالت: أما ترضى ما قال فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال الرجل: اكشفي عن وجهه، ثمَّ هجم فلطم وجه عثمان، فدعت عليه قائلةً: يبس الله يدك، وأعمى بصرك. فلم يخرج الرَّجل من الباب إلاَّ وقد يبست يداه وعمي بصره.

وخطبت رضي الله عنها في المسلمين، فقالت: (معاشر المؤمنين، وأهل الله، لا تستكثروا مقامي، ولا تستكثروا كلامي، فإنِّي حزينة أُصبت بعظيم، وتذوقت ثكلاً من عثمان بن عفان ثالث الأركان من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم، فقد تراجع النَّاس في الشورى حين تقدّم، فلم يتقدمه متقدم ولم يشك في فضله متأثم).
ولم تكتف نائلة بذلك، بل أرسلت إلى معاوية بكتاب مرفق معه قميص عثمان ممزقًا مليئًا بالدّماء، وعقدت في زر القميص خصلة من شعر لحيته، قطعها أحد قاتليه من ذقنه، وخمسة أصابع من أصابعها المقطوعة.
وأوصت إليه أن يعلّق كل أولئك في المسجد الجامع في دمشق، وأن يقرأ على المجتمعين ذلك الكتاب، وكان بعض ما جاء فيه:
إلى معاوية بن أبى سفيان، أمَّا بعد: فإنِّي أدعوكم إلى اللَّه الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر، ونصركم على العدو، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأنشدكم اللَّه وأذكركم حقه وحق خليفته أن تنصروه بعزم اللَّه عليكم، فإنه قال: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، [الحجرات:9].
وقد اجتمع خمسون ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان وأصابعها.
وحينما خرجوا لدفنه تقدّمتهم بسراج ينير لهم حتَّى تمَّ دفنه، فقالت ترثيه:

ومالي لا أبكي أُبكي قرابتي              وقد ذهبت عنا فضول أبي عمرو
وعاشت نائلة حافظةً لذكرى عثمان بن عفان – رضي الله عنه - وظلت وفيةً له، فلم تتزوّج وكانت من أجمل النساء.
وكلَّما جاءها خاطب ردته، ولمَّا تقدَّم معاوية بن أبي رسفيان –رضي الله عنه – لخطبتها أبت، وسألت النِّساء عمَّا يعجب الخطاب فيها، فقلن لها ثناياك، فخلعت ثناياها وأرسلت بهنَّ إلى معاوية، وحين سئلت عمَّا صنعت. أجابت: حتى لا يطمع فيّ الرجال بعد عثمان -رضي الله عنه-.
وقد روت السيِّدة نائلة عن عائشة بعضاً من أحاديث النَّبي صلَّى الله عليه وسلّم، ثمَّ توفيت بعد جهادٍ عظيم لخدمة الإسلام.
رحم الله نساءً خالدات نفخر بأنهنَّ أمهاتنا..
فإن مرَّ الزَّمان على مثيلٍ لهن
ففخرٌ للزَّمان مرورهن.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …