فحاسب نفسك أخي المسلم قبل أن تحاسب، وزن أعمالك قبل أن توزن عليك، وتزيّن ليوم العرض الأكبر، وتذكر ليلة فجرها يوم القيامة، وقبراً لا مؤنس فيه إلاَّ العمل الصَّالح، واستعد ليوم الرَّحيل الذي من علاماته ضياع الأمانة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا ضيّعت الأمانة فانتظر السَّاعة)) . قال كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال: (( إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر السَّاعة)). (رواه البخاري).
وللاستعداد لهذا اليوم العظيم الذي هو من صفات المتقين .. (العمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرَّحيل) .. معالم هادية نوجزها فيما يلي:التَّوبة والاستغفار ..إنَّ التَّوبة الصَّادقة هي النَّدمُ والإقلاع عن الذّنب، كما قال الحسن البصري: (نَدَمٌ بالقلب واستغفارٌ باللّسان، وتركٌ بالجوارح، وإضمارُ أن لا يعود)، فالتّوبة النَّصوحُ تجمعُ أَربعةَ أَشياء: (النَّدم بالْقَلْب، والاستغفار باللّسان، وإضمار أن لَا يَعُودَ ، ومُجانبةُ خلطاء السُّوء).
ومن علامات الاستعداد ليوم القيامة كثرة التوبة والاستغفار، والعزم على التزام الطَّاعات وترك الذنوب والمعاصي، وكان هذا سلوك الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم وقد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، حيث يقول: ((والله إنِّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرَّة)). (رواه البخاري).
ويبقى باب التوبة مفتوحاً ما لم تطلع الشمس من مغربها، فإذا طَلعت طبع اللَّهُ عَزَّ وجلَّ على كلِّ قَلبٍ بما فيه وكُفِيَ النَّاسُ العمل، وقبول التوبة فضلٌ من الله سبحانه وتعالى.ذكر هادم اللذَّات ..
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((أكثروا ذكر هادم اللذات))؛ يعني الموت. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم مصلاه، فرأى ناساً يكثرون فقال: ((أما أنكم لو أكثرتم من ذكر هادم اللَّذات لشغلكم عمَّا أرى، فأكثروا ذكر هادم اللَّذات))، أي: لو أكثروا من ذكر الموت لشغلهم ذلك عن الكلام الكثير الذي لا فائدة منه. قال القرطبي: (قال العلماء: تذكر الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويذهب الفرح بالدّنيا، ويهوّن المصائب)، وقال: (اعلم أنَّ ذكر الموت يورث استشعار الانزعاج عن هذه الدَّار الفانية، والتوجه في كل لحظة إلى الدار الآخرة الباقية)، ويروى أنَّ امرأة شكت إلى عائشة رضي الله عنها قساوة في قلبها، فقالت لها : (أكثري من ذكر الموت يرق قلبك، ففعلت ذلك فرق قلبها).
زيارة القبور ..
إنَّ النَّظر إلى الميت ومشاهدة سكراته ونزعاته، وتأمّل صورته بعد مماته، ممَّا يقطع عن النفوس لذاتها، ويطرد عن القلوب مسرَّاتها، ويمسح الأجفان من النَّوم، والأبدان من الرَّاحة، ويبعث على العمل، ويزيد في الاجتهاد والتعب، وذكر عن الحسن البصري أنّه دخل على مريض يعوده ، فوجده في سكرات الموت، فنظر إلى كربه، وشدة ما نزل به، فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم ، فقالوا له: الطَّعام يرحمكم الله، فقال: (يا أهلاه، عليكم بطعامكم وشرابكم، فوالله رأيت مصرعاً لا أزال أعمل له حتَّى ألقاه).
أمَّا زيارة القبور، ففي صحيح مسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النَّبي صلَّى الله عليه وسلّم : (( زوروا القبور فإنَّها تذكر الموت))، وفي مسند الإمام أحمد: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: ((إنِّي نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإن فيها عبرة)).
مراجع للاستزادة :
الاستعداد ليوم الرَّحيل – الإمام ابن رجب الحنبلي