الزعفراني لـ (بصائر): شمولية الإسلام لا تعني شمولية التنظيم

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » الزعفراني لـ (بصائر): شمولية الإسلام لا تعني شمولية التنظيم
هو زوج السيّدة جيهان الحلفاوي أوّل مرشحة للإخوان المسلمين في انتخابات برلمانية؛ حيث دفعت بها الجماعة لخوض انتخابات مجلس الشعب عام 2005م؛ إنَّه الدكتور إبراهيم الزعفراني أحد قيادات العمل الطلابي للإخوان المسلمين في الجامعة خلال السبعينيات، وعضو مكتب الشورى بالجماعة، ومقرّر لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب، التقينا به للوقوف على الأسباب التي دفعته لتقديم استقالته من جماعة الإخوان المسلمين التي ظلّ جنديّاً مرابطاً فيها لأكثر من 40 عاماً، والى تفاصيل الحوار:
بصائر:  بداية ما هي الأسباب التي دفعتك للاستقالة؟

هناك أسباب قديمة وأخرى حديثة، فقد عشت داخل تنظيم الإخوان المسلمين خمسة وأربعين عاماً، أظن أنني كنت فيها ثابتاً كغيري من الإخوان الكرام، حتَّى كان أوائل سنة 2010م، حيث أجريت انتخابات مكتب الإرشاد والمرشد العام، وكان لي اعتراضات على لائحة الجماعة وضرورة تطويرها، فهي في اعتقادي غير ديمقراطية، كونها لا تحوي نصوصاً تفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ أي ليس هناك فصل بين مجلس الشورى ومكتب الإرشاد، فمجلس الشورى الذي يمثل السلطة التشريعية منزوع الصّلاحيات فليس في مقدوره محاسبة وتقييم عمل مكتب الإرشاد الذي يمثل السلطة التنفيذية، بما يفرض حالة من الضبابية متروكة لمزاج المكتب التنفيذي أي مكتب الإرشاد،  كما أنَّني حرَّرتُ مذكرة فيما جرى في انتخابات مجلس الشورى ومخالفاتها للائحة، ومرَّ عام أو أكثر ولم يحدث تطوير، ولم أتسلم رداً على مذكرتي، فالممارسة نفسها خاطئة، حيث أصبح لدينا نوع من الالتباس، هل القيادات التي ننتجها سياسية أم دعوية أم اجتماعية ؟ كما أنَّ ثقافة الانتخاب تغلب عليها روح العواطف والحبّ الشخصي عن العقلانية.
هناك سلبية استخدام العنصر الديني في التخويف والرَّدع، بمعنى إذا لم أنفذ بعض الأوامر أكون قد عصيت الله، وهذا غير صحيحفضلاً عن ذلك، فليس هناك مؤسسات قضائية متخصّصة حرَّة للفصل في المخالفات، بحيث يعلم الشَّخص المخالف طبيعة الجزاءات التي ستوقع عليه حالة ارتكابه خطأ ما، ولا يترك الجزاء لتقديرات شخصية، فضلاً عن تحقيق قيمة محاسبة جميع الأفراد مهما كانت مواقعهم وفق اللوائح الثابتة والمعروفة.
إضافة إلى كلِّ ذلك، هناك سلبية استخدام العنصر الديني في التَّخويف والرَّدع، بمعنى إذا لم أنفّذ بعض الأوامر أكون قد عصيت الله، وهذا غيرُ صحيح، فيجب أن أتعامل باللائحة التي تنظم العلاقة التنظيمية بين الأعضاء على اختلاف مستوياتهم التنظيمية، فإذا لم أنفذ هذه التعليمات فإنّي سأتعرّض لجزاء إداري.
فضلاً عن كلِّ ذلك، لا يعني التبعية للتنظيم أنَّها تبعية أبدية لا تنفصل، ومن ثمَّ لا يعني الانفصال أنَّني لا أبايع الله، أو أنني خرجت عن الشَّرع، فهذا نوعٌ من الإرهاب الفكري للأفراد، حيث تُصبغ العلاقة مع الأفراد بأنَّها علاقة دينية محضة، في حين أنَّ العلاقة الطبيعية أنَّها علاقة تنظيمية يحكمها الشَّرع، الذي ارتضينا جميعاً أن نحتكم إليه في كلِّ شؤوننا.
يضاف إلى ما سبق هو إسناد المواقع في الجماعة إلى أهل الثقة، الذي هو مقدَّم على أهل الخبرة، وهو ما يمثل ضياعاً لأيّ عمل مؤسسي.

بصائر: بعد خروج المهندس خيرت الشَّاطر نائب المرشد العام من المعتقل، أعلنت الجماعة تكليفها له بإعادة النظر في اللائحة، وترتيب الأوضاع الرَّاهنة بما يتواكب مع مناخ الثورة، فلماذا لم تنتظر؟

بعد ثورة 25 يناير هذا العام لم أرَ تغييراً حقيقياً، وظهرت دلائل هي في نظري لا توحي بأنَّ هناك تغييراً من حيث فصل الحزب عن العمل الدَّعوي والتربوي والاجتماعي، حيث قام مكتب الإرشاد بتعيين وكيل مؤسسيه، وهو الدكتور محمد سعد الكتاتني المتحدّث الرسمي باسم الإخوان المسلمين، وعضو مكتب الإرشاد بالجماعة، وهذا يعنى تبعية الحزب للتنظيم، وكنت أتمنى أن ينتخب من القاعدة.
إنني مؤمن بإثراء الحياة العامة بالتنوع لا بالالتزام والاعتزال في تنظيم واحد، ومؤمن بأنَّ وجود منافش قوي وشريف مثل الإخوان سيكون فيه صلاح مص ثمَّ صدر قرار بمنع أفراد التنظيم من تكوين أحزاب أخرى غير حزب "العدالة والحرية" أو الاشتراك فى أحزاب أخرى غيره، ممَّا يحرم أفراد الإخوان من الاندماج في المجتمع، ويُبقي على عزلتهم بعد مشاركتهم واندماجهم الكريم مع باقي شرائح المجتمع أثناء مرحلة الثورة، كل ذلك دعا إلى أن أتقدَّم باستقالتي من التنظيم، مبقياً على حملي الفكرة الإسلامية الوسطية المعتدلة، التي كنت أتمنى أن تتفرغ إليها الجماعة بعيداً عن الحزب، حتى تحمي الشعب المصري من الأفكار السلفية التي تدعو إلى العنف والتكفير، مستغلة أجواء الحرية القائمة.
إضافة إلى إيماني بأنَّ الجماعة عليها أن تولد أفراد يتم انفصالها بعد نضجها لتزرع في أرض جديدة لتصنع عملاً تنظيمياً على نفس أرضية الفهم الوسطى الإسلامي أمثال الشيخ القرضاوي وعمرو خالد وشريف عبد العظيم.
كما أنني مؤمن بإثراء الحياة العامة بالتنوع لا بالالتزام والاعتزال في تنظيم واحد، ومؤمن بأنَّ وجود منافس قوي وشريف مثل جماعة الإخوان سيكون فيه صلاح مصر، لأنَّ التنافس يؤدي إلى استخراج كلّ الطاقات وإصلاح كلّ العيوب.

بصائر: هل معنى كلامك أنَّك ضد مشاركة الإخوان في العمل السياسي؟

لا .. بل على الإخوان أن يشاركون في العمل السياسي، لكن العمل الحزبي يؤسس له حزب، ويجب أن ينفصل هذا الحزب عن الجماعة حتَّى لا يفقدها الدَّور الدَّعوي مثلما هو كائن في السنوات الماضية، فقد انشغلت الجماعة بالعمل السياسي على حساب العمل، وتركت الساحة لجماعات أخرى تحمل فكراً مغايراً.
وبالعودة إلى الحديث عن الحزب الذي ولد من رحم الجماعة، إذا انتخب وكيل المؤسسين سيكون هذا الحزب أكثر حرية وأكبر تأثيراً.

بصائر: برأيك، هل استقالتك من الإخوان المسلمين هي الحل لكلِّ ما تراه من مشكلات؟

أجلت استقالتي المعلنة، رغم أنَّها كانت متجسدة على أرض الواقع، حتَّى لا أتقدّم بها وأحد إخواني في السجون أو وقت تتعرَّض فيه جماعتي لمحنة أو تضييق، ولكنّي أتقدّم بها اليوم وجماعتي فى أوّج قوتها، يطمح الكثيرون في الانضمام إليها، وكذلك وجود أعدائها من أمن الدولة في جحورهم منبوذين صاغرين، فقد أصبح المجال مفتوحاً الآن للاشتراك في المجتمع المدني بحرية، وأردت أن أحل نفسي من الالتزام بالحزب، خاصة بعد صدور قرار الدكتور بديع المرشد العام للاخوان المسلمين الذي أعلن عن منع أيٍّ من الإخوان من الانضمام إلى أيِّ حزب آخر أو إنشاء حزب جديد، وهو التصريح الذى اعتبرته صدمة، فبعد أن انفتح شباب الإخوان على المجتمع عدت وأغلقت القفص مرَّة أخرى عليهم، ومتى يحدث هذا في ظل أجواء الحرية التي بدأنا نتنسم عليلها بعد عقود من الاضطهاد والاستهداف؟!! وهو أيضاً ما يتعارض مع فكرة الانفتاح على المجتمع، التي طالما دعت إليها الجماعة.

بصائر: لكن أيّ حزب في العالم يجب أن يحظى بالتزام حزبي من قبل أعضائه، ومن ثمَّ هناك برنامج أنت آمنت به، فيجب ألاَّ تلتزم غيره؟

الإخوان المسلمين دعوة وليست برنامج حزب، فالإخوان دعوة تربّي وتخرّج أناساً تعمل في السياسة والدّعوة وخدمة المجتمع والعمل الاجتماعي، والمصيبة الكبرى أننا نؤمن أنَّ شمولية الإسلام تساوي شمولية التنظيم، فليس معنى شمولية الإسلام أنَّك تعمل كلّ شيء، ففهمي للمنهج الإسلامي الوسطي أن أعمل أنا في السياسة، ويعمل غيري في الدَّعوي، ويعمل ثالث في العمل الاجتماعي، فهذا الالتباس خطير، فنحن في زمن التَّخصّص.

بصائر: هل يعني كلامك أنَّ الجماعة ليست في حاجة إلى التَّنظيم؟

أنا مع أن تنظم الجماعة نفسها وفقاً للقانون، لأنّي أعتقد أنَّ الجيش يترك الجماعة الآن تفعل ما تريد حتَّى يثبت أقدامه، ولن يتركها بعد ذلك، حيث سيبدأ في تحديد صفتها، هل هي جمعية أم حزب.
الإخوان المسلمون دعوة وليست برنامح حزب، فالإخوان دعوة تربِّي وتخرّج أناساً تعمل في السياسة والدعوة وخدمة المجتمع

بصائر: أليس من الصّعب التخلّي عن شكل التنظيم الذي استمر أكثر من 80 عاماً؟

الحياة تتطوّر وتتغيّر، ويجب أن تتغيّر وسائلنا وآلياتنا في العمل وتتطوّر معها، وهناك نماذج مختلفة حدثت في الأردن والجزائر، ففي الأخيرة على سبيل المثال تمَّ دمج الجماعة في الحزب، وفي الأردن الحزب يتبع الجماعة، وفي النموذجين وقعت مشكلات، ومن ثمَّ لابدَّ من الفصل بين الجماعة والحزب، والاستفادة من تجارب الآخرين.

بصائر: أعلنت عن تأسيس حزب أسميته "النَّهضة"، ما الجديد الذي سيقدِّمه عن حزب الإخوان؟

بالقطع سيكون هناك جديد عن الأحزاب الأخرى، حيث سنهتم بالجانب التنموي أكثر من السياسي، وسنعمل في هذه المساحة حتَّى نساهم في تنمية المجتمع وخدمته.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …