14 علماً في ((الجامع)) للإمام الترمذي

الرئيسية » بصائر نبوية » 14 علماً في ((الجامع)) للإمام الترمذي

(الكتب الستة)... مصطلحٌ يكثر ذكره في الكتب والمصنّفات التي عُنيت بجمع أحاديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، أو  في  كتب  علومه  الحديث النبوي ومصلحه، ويقصد بهذا المصطلح كتب ستة هي : (الصّحيحان) للإمامين البخاري ومسلم، و(السنن الأربعة)؛ للأئمَّة : الترمذي، والنَّسائي، وأبي داود، وابن ماجه.

وقد أفردنا الحديث في هذه السّلسلة عن الصَّحيحين ثمَّ موطأ الإمام مالك، ونتداول الحديث عن السنن الأربعة ومصنّفيها، مبتدئين بسنن الترمذي، فإلى التفاصيل..

الترمذي في سطور ..

هو الإمام محمَّد بن عيسى بن يزيد  بن سَوْرة الترمذي، نسبة إلى بلد مولده (تِرْمذ) – على ضفتي نهر جيحون- سنة 209هـ.
ابتدأ طلب العلم في الصّغر، ورحل في سبيل ذلك إلى البلاد شرقاً وغرباً، وإلى الأئمَّة الكبار، وعنهم أخذ علماً واسعاً.
قال له شيخه الإمام البخاري : (ما انتفعت بك، أكثر ممَّا انتفعت بي)، وهذا يدلّ على مكانة الإمام الترمذي العلميّة الرَّفيعة.
شهد له العلماء بالعلم والحفظ والمعرفة، وبالدّيانة والوَرع، حتَّى إنَّه لغلبة الخشية عليه كفّ بصره آخر عمره بكاءً من خشية الله تعالى.
من مصنّفاته : كتاب السنن – موضوع حديثنا- وكتاب الشمائل،  وكتاب العلل، وكتاب التاريخ ...
توفي رحمه الله سنة 273هـ

لمحات عن سنن الترمذي ..

قال الإمام الترمذي: (صَنَّفْتُ هَذَا الكِتَابَ، وَعَرَضْتُهُ عَلَى عُلَمَاءِ الحِجَازِ، وَالعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، فَرَضُوا بِه، وَمَنْ كَانَ هَذَا الكِتَابُ - يَعْنِي: (الجَامِعُ)- فِي بَيْتِهِ، فَكَأَنَّمَا فِي بَيْتِهِ نَبِيٌّ يَتَكَلَّمُ ).
الجامع عند المحدثين ما كان مستوعباً لنماذج فنون الحديث الثمانية، وهي هذه : السير والآداب، والتفسير، والعقائد، والفتن، والأحكام، وألأشراط والمناقب(الجامع المختصر من السنن عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل)، وقد يسمَّى بجامع الترمذي، أو الجامع الكبير، أو سنن الترمذي، ووجه التسمية بـ(السنن) اشتماله على أحاديث الأحكام مرتبة على ترتيب أبواب الفقه، ولكنَّ الكتاب فيه الأحكام وغيرها؛ ففي هذه التسمية تَجَوُّزٌ بتسمية الكل ببعض أجزائه.
أمَّا وجه التسمية بـ (الجامع) أنَّ الجامع عند المحدِّثين ما كان مستوعباً لنماذج فنون الحديث الثمانية؛ وهي هذه: (السّير والآداب، والتفسير، والعقائد، والفتن، والأحكام، والأشراط، والمناقب)، فسُمِّيَ الكتاب جامعاً لوجود هذه الأبواب فيه. (راجع كتاب (تحقيق اسمي الصحيحين واسم جامع الترمذي) للشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحم الله).
كان الباعث الذي دفع الإمام الترمذي - رحمه الله - إلى تصنيف كتابه هذا، هو أنَّه أراد أن يجمع الأدلة التي استدل بها الفقهاء من أحاديث وآثار؛ فيتكلم عليها، ويكشف عن عللها، ويبيِّن حالها من حيث الصحة والضعف؛ فقد قال في كتابه:  (وإنَّما حَمَلَنا على ما بيَّنَّا في هذا الكتاب من قول الفقهاء وعلل الحديث؛ لأنا سُئلنا عن هذا فلم نفعلْه زمانًا، ثم فعلْناه لِمَا رجَوْنا فيه من منفعة الناس).
جَمع الإمامُ  الترمذي في سننه الأحاديث المرويّة عن رسول الله  صلَّى الله عليه وسلَّم  في أبواب الأحكام الفقهيّة، مبيِّنا فيها درجة كلِّ حديث من حيث الصِّحةُ والضَّعفُ، حاكياً لمذاهب أهل العلم في تلك الأحاديث.
قسَّم الإمام الترمذي الكتابَ على الأبواب الفقهية؛ فبدأ بأبواب الطهارة، وأتبعها بأبواب الصلاة، وانتهى بأبواب المناقب عن رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام.
اقتصر الإمام الترمذي غالباً على الأحاديث المرفوعة إلى الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، كما احتوى موقوفات ومقطوعات؛ حيث ذكر عمل الصَّحابة أو التَّابعين أو غيرهم بمقتضى الحديث الذي هو بصدد تصحيحه.
في (الجامع : علم نافع، وفوائد غزيرة، ورؤوس المسائل، وهو أحد أصول الإسلام، لولا ما كدَّره بأجاديث واهية، بعضها موضوع، وكثير من الفضائل). الإمام الذهبي
يختصر الترمذي طرق الحديث، فيذكر أحدها ويشير إلى غيرها ، بقوله وفي الباب عن فلان، وأحياناً يشير إلى من دون الصَّحابي؛ مثل قوله: وقد روي هذا الحديث عن صفوان بن عسَّال رضي الله عنه من غير حديث عاصم، أي: حديث المسح على الخفين. فقد أشار هنا إلى من دون الصَّحابي، وهو عاصم.
قال الإمام الذهبي : (فِي (الجَامِعِ) عِلْمٌ نَافِعٌ، وَفَوَائِدُ غَزِيْرَةٌ، وَرُؤُوْسُ المَسَائِلِ، وَهُوَ أَحَدُ أُصُوْلِ الإِسْلاَمِ، لَوْلاَ مَا كَدَّرَهُ بِأَحَادِيْثَ وَاهِيَّةٍ، بَعْضُهَا مَوْضُوْعٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا فِي الفَضَائِلِ).
مصدر الحديث الحسن: يعدُّ كتاب سنن الترمذي  أوّل كتاب شهر الحديث الحسن، لكثرة ذكر الترمذي لذلك عند الكلام على الأحاديث، قال ابن الصَّلاح: ( كتاب أبي عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه).

معنى قوله : (حديث حسن صحيح) :

للإمام الترمذي عبارات خاصة في حكمه على الأحاديث؛ منها : (حديثٌ صحيحٌ،أو: حسنٌ صحيح،أو: حسنٌ غريبٌ .. أو غيرها)، ومن أبرز المصطلحات التي اختلف العلماء في شرحها وتفسيرها، هو قوله : (حديث حسن صحيح)، وتتلخَّص أقوال العلماء في تفسيرها فيما يلي :
-أنّه ورد بإسنادين؛ أحدهما صحيح والآخر حسن وعلى هذا يكون الحديث أعلى درجة من الحديث الذي قال فيه الترمذي (صحيح) فقط.
-أنَّ لفظ الحسن يعني العمل بالحديث، ولفظ الصِّحة يعني الصحة بمعناها الاصطلاحي.
-أنَّه متردّد بين الحسن والصّحة، فهو صحيح عند قومٍ، حسن عند آخرين، وهذا رأي الحافظ ابن كثير، وعلى هذا يكون الحديث أعلى من الحسن وأدنى من الصَّحيح.
وقد استدرك بعض العلماء على هذه التفاسير، فلا داعي لذكرها، ونحن ننشد في موقعنا (بصائر) الاختصارَ لا الغوصَ في التفاصيل.

من شروح سنن الترمذي ..

-عارضة الأحوذي في شرح الترمذي، للإمام أبي بكر بن العربي المالكي، المتوفى سنة (540هـ).
والعارضة : القدرة في الكلام، أمَّا الأحوذي فهو : الخفيف في الشّيء لحذقه.
-النفح الشَّذي في شرح جامع الترمذي، للإمام أبي الفتح محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري الشافعي، المتوفى سنة (743هـ)، لكنَّه لم يكمله.
-قوت المغتذي على جامع الترمذي، للإمام جلال الدين السيوطي، المتوفى (911هـ).
-تحفة الأحوذي شرح سنن التّرمذي، للإمام محمَّد عبد الرَّحمن المباركفوري الهندي، المتوفى سنة (1353هـ).
وهناك شروح أخرى كثيرة، منها ما فقد لحروب أو فتن، ومنها لم يكمل، فلا يزال في عداد المخطوطات.

فوائد وفرائد ..
(في الجامع 14 علماً؛ فقد صنَّف، وأسند، وصحَّح، وأسقم، وعدَّد الطريق، وجرح وعدَّل، وأسمى وأكنى، ووصل وقطَّع، وأوضح المعمول به والمتروك، وبيَّن اختلاف العلماء في الرَّد والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله). الإمام أبو بكر بن العربي
-كتاب (سنن الترمذي) من أشهر مصنفات الإمام التّرمذي، ومن أكثر كتب الحديث فائدة وأقلّها تكراراً.
-قال بعض العلماء : إنَّ تسمية كتاب (سنن التّرمذي)، بالجامع الصَّحيح تسمية غير دقيقة، لأنَّ كتابه  شمل الأحاديث الصَّحيحة وغيرها من الأحاديث الحسنة والضعيفة، ولأنَّ الترمذي لم يشترط الصحة في تأليفه لهذا الكتاب.
- يعدُّ كتاب (سنن الترمذي) من أهم مصادر دراسة الفقه المذهبي، وكان الترمذي يعتمد في تحسينه لبعض الأحاديث على ثبوت العمل بها من بعض الصَّحابة.
-قال الإمام أبو بكر بن العربي: (في الجامع 14 علماً، فقد صنَّف، وأسند، وصحَّح، وأسقم، وعدَّد الطَّريق، وجرح وعدَّل، وأسمى وأكنى، ووصل وقطَّع، وأوضح المعمول به والمتروك، وبيَّن اختلاف العلماء في الرَّد والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله، وكلُّ علمٍ من هذه العلوم أصلٌ في بابه).
-ذيَّل الإمام الترمذي جامعه بكتاب (العلل)، ويحوي فوائد علمية نفيسة، شرحها الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي، وذكر فيها جملة مسائل مهمَّة في علم الجرح والتعديل؛ مثل ذكر طبقات أتباع بعض الرّواة كابن عمر رضي الله عنه ونافع، وذكر المختلطين ومن روى عنهم، وذكر من كانت روايته في بلد أصح من روايته في بلد آخر وغيرها من مباحث علم الجرح والتعديل.

مراجع للاستزادة :
-الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث – الإمام ابن كثير – أحمد محمَّد شاكر.
-منهج النَّقد في علوم الحديث- أ. د . نور الدين عتر حفظه الله.
-الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة - محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله.
-ترجمة الإمام الترمذي في (سير أعلام النبلاء) للذهبي.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

التحذير من علماء السُّوء !

عنوان هذا الموضوع هو اسم لكتاب ألفه الحافظ أبو الفتيان الدّهستاني، الرَّوَّاسيّ؛  عمر بن محمد …