نازك الملائكة .. رائدة الشعر الحر

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » نازك الملائكة .. رائدة الشعر الحر
alt

أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ، تحتَ الصمتِ، على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو، تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ، يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كلِّ فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزَّقَـهُ الموت
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النَّيلِ الصارخِ ممَّا فعلَ الموتْ

هذه الأبيات من قصيدة (الكوليرا) الشهيرة التي كتبتها الشاعرة المبدعة نازك، نتيجة لما سمعته من الأخبار السيِّئة التي حدثت بسبب الوباء القاتل الذي أصيب به كثير من المصريين، كتبتها في زمن قياسي (ساعة تقريباً)، فخرجت القصيدة معبِّرة عن انفعالتها على شكل أسطر غير متساوية، لتكون نازك رائدة الشعر الحديث، على الرَّغم من أنَّ مسألة السَّبق في الرِّيادة لم تحسم بعد بينها وبين بدر شاكر السيَّاب في كتابة الشعر الحر، حيث إنَّه كتب الشعر الحر في ديوانه (أزهار ذابلة) في السنة نفسها من كتابة ديوان (الكوليرا) لنازك الملائكة.
نازك الملائكة؛ شاعرة عراقية تمثل أحدَ أبرز الأوجه المعاصرة للشعر العربي الحديث الذي يكشف عن ثقافة عميقة بالتّراث والوطن والإنسان.أحدَ أبرز الأوجه المعاصرة للشعر العربي الحديث الذي يكشف عن ثقافة عميقة بالتّراث والوطن والإنسان

ولدت نازك صادق الملائكة في بغداد يوم الثالث والعشرين من آب/أغسطس عام 1923م، في أسرة لها باع طويل في الثقافة والشعر؛ فكانت أمها تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية، كما أصدرت ديوان شعر في الثلاثينيات اسمه: (أنشودة المجد)، وذلك تحت اسم أدبي هو: (أم نزار الملائكة)، أّمَّا والدها صادق الملائكة، فترك مؤلفات أهمّها موسوعة (دائرة معارف النَّاس) في عشرين مجلدًا، وكتب قصيدة يحيى بها طفلته، ويؤرِّخ مولدها بهذا الشطر (نازك جاءت في زمان السرور).
ومن هنا يأتي سبب تسمية العائلة بهذا الاسم "الملائكة" فهو لقب أطلقه على العائلة بعض الجيران بسبب ما كان يسود البيت من هدوء وسكينة، ثم انتشر اللقب وشاع وحملتها لأجيال التالية للعائلة.
وأمَّا قصة اختيار اسمها التركي (نازك)، فلأنَّها ولدت عقب الثورة التي قادتها الثائرة السورية نازك العابد على السلطات الفرنسية، وكانت الصحف وقتذاك تطفح بأنبائها فرأى جد الطفلة أن اسم نازك إكراماً لهذه الثائرة وتيمّناً بها وقال: (ستكون ابنتنا نازك مشهورة كنازك العابد، إن شاء الله).
بدأت نازك الملائكة كتابة الشعر، وهي في العاشرة من عمرها، أتمت دراستها الثانوية والتحقت بدار المعلمين العالية التي أصبحت حاليًا كلية التربية، وتخرَّجت منها عام 1944 بدرجة امتياز، والتحقت بعد ذلك بمعهد الفنون الجميلة وتخرَّجت من قسم الموسيقى تخصص "عود" عام 1949م، درست نازك اللغة العربية في كلية التربية جامعة بغداد، ولم تتوقف في دراستها الأدبية والفنية إلى هذا الحد؛ حيث درست اللغة اللاتينية في جامعة برستن بالولايات المتحدة الأمريكية، ثمَّ حصلت على درجة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة وينكسونسن بالولايات المتحدة أيضًا، كذلك درست اللغة الفرنسية وأتقنت الإنجليزية، وترجمت بعض الأعمال الأدبية عنها، عملت نازك مدرسة للأدب العربي في جامعتي البصرة وبغداد.
غادرت العراق في الخمسينيات وذلك لأسباب سياسية، واتجهت إلى الكويت واستقرت هناك مدَّة طويلة؛ حيث عملت مدرسة للأدب المقارن بجامعة الكويت.
مثلت نازك العراق في مؤتمر الأدب العربي المنعقد في بغداد عام 1965م، ثم غادرت العراق مرَّة أخرى، في ظل الحرب الأمريكية العراقية لتتوجه إلى القاهرة وتستقر بها وذلك في عام 1991م؛ حيث أقامت هناك في حي سرايا القبة شرق القاهرة حتى توفتها المنيَّة.
مُنحت جائزة البابطين للشعر عام 1996م، وذلك تقديراً لدورها في ميلاد الشعر الحر، كما أقامت دار الأوبرا المصرية احتفالاً كبيرًا تكريمًا لها، وأيضًا بمناسبة مرور نصف قرن على بداية الشعر الحرفي في الوطن العربي، ولكنَّها لم تحضره بسبب ظروفها الصحية، وذلك في عام 1999م.

مُنحت جائزة البابطين للشعر عام 1996م، وذلك تقديراً لدورها في ميلاد الشعر الحر
آثارها:

لها من الشعر المجموعات الشعرية التالية:
عاشقة الليل صدر عام 1947- شظايا ورماد صدر عام 1949- قرارة الموجة، صدر عام 1957 - شجرة القمر صدر عام 1965- مأساة الحياة وأغنية للإنسان صدر عام 1977- للصلاة والثورة صدر عام 1978- يغير ألوانه البحر طبع عدَّة مرَّات - الأعمال الكاملة - مجلدان - ( عدة طبعات ).
ونازك الملائكة ليست شاعرة مبدعة حسب، بل ناقدة مبدعة أيضاً، فآثارها النقدية: (قضايا الشعر المعاصر1962)، (الصومعة والشرفة الحمراء1965)، و(سيكولوجية الشعر 1993) تدل على أنَّها جمعت بين نوعين من النَّقد؛ نقد النقاد ونقد الشعراء، أو النقد الذي يكتبه الشعراء، فهي تمارس النقد بصفتها ناقدة متخصصة، فهي أستاذة جامعية لها مكانتها في الوسط الأكاديمي، وهي فنَّانة -كما يقال- في فن إلقاء المحاضرة الأكاديمية في النقد، وإنَّها تمارس نقد الشعر بصفتها مبدعة منطلقة من موقع إبداعي وخصوصا الشعر الحديث؛ لأنَّها شاعرة لامعة في الشعر الحديث ترى الشعر بعداً فنياً حراً لا يعرف الحدود أو القيود..
جاءت وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة يوم الأربعاء الموافق العشرين من حزيران/يونيو عام 2007م، في منزلها الذي أُقامت به منذ مجيئها إلى مصر، وذلك بعد معاناة طويلة ورحلة شاقة مع المرض، فتوفيت إثر هبوط حاد في الدورة الدموية قد عانت قبلة من أمراض عديدة؛ مثل أمراض الشيخوخة والزهايمر، وقد شُيعت الجنازة من أحد مساجد مصر الجديدة في القاهرة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …