إنَّ سوء الظن إذا تغلغل في بنية الأسرة والمجتمع كان أثره خطيراً في تفكيك أواصر وعلائق أفرادها، ممَّا يهدّد زعزعة الاستقرار فيها وفقدان الثقة بين أفرادهم، وللحفاظ على رباط الأخوة الإسلامية بين أفراد الأمَّة الإسلامية، حذَّر الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم من سوء الظن..
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ)). (أخرجه البخاري ومسلم).
شرح المفردات :
((إيَّاكم والظن)) أي: احذروا سوء الظن بالمسلمين، ولا تحدثوا عن عدم علم ويقين لا سيّما فيما يجب فيه القطع، والظن: التهمة والتخوّن للأهل والأقارب والنَّاس من غير سبب، وفي صحيح البخاري: (التوهم وعدم التحقيق في الأمور والحكم على الشيء بدون دليل).
(( أكذب الحديث)) أي: يقع الكذب في الظن أكثر من وقوعه في الكلام.
من فوائد الحديث :
إنَّ سوء الظن إذا تغلغل في بنية الأسرة أو المجتمع كان أثره خطيراً في تفكيك أواصر وعلائق أفرادها ممَّا يهدّد زعزعة الاستقرار فيها وفقدان الثقة بين أفرادها
- تحريم الظن من غير سبب ولا قرينة؛ وممَّا يدلُّ على ذلك : قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم}. قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : (قال علماؤنا : فالظن هنا وفي الآية هو التهمة. ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها ، كمن يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلاً، ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك).
-قال الإمام النَّووي : (والمراد التحذير من تحقيق التّهمة والإصرار عليها، وتقرّرها في النفس دون ما يعرض ولا يستقر، فإنَّ هذا لا يكلّف به كما في الحديث : ((تجاوز الله عمّا تحدثت به الأمَّة أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل))، ونقله عياض عن سفيان، والحديث وارد في حقّ من لم يظهر منه شتم ولا فحش ولا فجور).
-أنَّ للظن قسمين؛ الأوَّل : الظن السيّئ من غير سبب ولا قرينة، فهذا منهي عنه. والثاني : الظنّ المبني على القرائن، فهذا لا بأس به، لأنَّ الله قال : {اجتنبوا كثيراً من الظن}، ولم يقل الظن كله.
-إنَّ الظنَّ السيّئ وصفه الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بـ (أكذب الحديث)، لأنَّ الإنسان – كما يقول بعض العلماء- إذا ظنَّ صارت نفسه تحدِّثه، تقول له: فعل كذا وكذا، وهو يفعل كذا وكذا، وهو يريد كذا وكذا، ولأنَّ الظنَّ السيّئ أن تُعادي أهلَك وصديقك على ظنٍّ تظُنُّه به دون تحقيقٍ، أو تُحَدِّثُ بِأَمرٍ على ما تَظُنُّه فَتَنْقُلُهُ على أَنَّك قد علمته.
-الواجب على الأخ المسلم ألاَّ يعتمد في أحكامه بمجرَّد الظن ، فيعمل به، أو يتكلم بحسبه.
-ينبغي للمسلم أن يحسن الظن بأخيه المسلم، قال عمر بن الخطاب: (لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلاَّ خيراً وأنت تجد لها في الخير محملاً).
من أسباب ظن السوء :
1- سوء النيّة وخبث الطويّة : كأن ينشأ الإنسان تنشئة غير صالحة، فيقع في كثير من المعاصي؛ ومن هنا ينشأ عنده سوء الظن بكلِّ أحد، ويصبح ذلك مظهراً له من مظاهره ، ويظن أنَّ كلَّ أحد يقترف المعاصي والذنوب.
2- الحكم على النّيات والسَّرائر: فالمبدأ الصَّحيح في الحكم على الأشخاص والأشياء هو النَّظر إلى الظَّاهر وترك السَّرائر إلى الله، فهو وحده سبحانه المطلع عليها.
3- اتباع الهوى: ذلك أنَّ الإنسان إذا اتبع هواه صار هذا الهوى إلهه ومرشده إلى إلقاء الظنون الكاذبة التي لا دليل عليها ولا برهان.
العلاج :
لا شكَّ أنَّ سوء الظن خلق لا يليق بالأخ المسلم، خصوصاً إذا كان داعية أو مربياً أو مسؤولاً، وذلك لما لهذا الخلق من آثار سلبية على الفرد والجماعة، لأنَّه يعكِّر صفاء العلاقة بين الأفراد، ويشتِّت التفكير والاشتغال في أمور نهانا شرعنا الحنيف عنها، وللتخلّص من سوء الظن، نورد ما يلي :
مجاهدة النَّفس على عدم سوء الظن بالآخرين، وتربية النفس على عدم توجيه تهمة لأحد من النَّاس بمجرد ظن أو تخمين لا دليل عليه ولا برهان
1- الالتزام بمبادئ العقيدة الصَّحيحة القائمة على حسن الظن بالله وبرسوله وبالمؤمنين الصَّالحين.
2-اجتناب الشبهات ومواقعها من الأقوال والأفعال حتَّى لا يكون المرء عرضة لكلام عليه، وفي ذلك يقول الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم : ((... فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالرَّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه .... )). (رواه مسلم)، ومن أمثلة اجتناب الشبهات ما جاء في حديث يزيد بن الأسود أنه صلَّى مع رسول الله ، فلمَّا صلَّى، إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد فدعا بهما ، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا ؟ قال : قد صلينا في رحالنا ؟ فقال : ((لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله، ثمَّ أدرك الإمام ولم يصل، فليصل معه فإنَّها له نافلة)). (رواه أبو داود).
3-مجاهدة النفس على عدم سوء الظن، وتربية النَّفس على عدم توجيه تهمة لأحد من النَّاس لمجرَّد ظن أو تخمين لا دليل عليه ولا برهان.
4- النَّظر في سير الصحابة والتابعين والعلماء والدّعاة الصَّالحين، فإنَّها مليئة بصور حيَّة عن الظن السيّئ وآثاره وطريق الخلاص منه.
5- امتثل لقوله تعالى : {ولا تقف ما ليس لك به علم} . . ولا تتبع ما لا تعلمه علم اليقين، وما لم تتثبت من صحته: من قول يقال، ورواية تروى، ومن ظاهرة تفسّر أو واقعة تعلل. كما سيّدٌ في ظلاله.
6- التزم دائماً بما رُوِيَ عن رسولِ الله عليه الصَّلاة والسَّلام: ((إذا ظننت فلا تحقّق، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا تطيَّرت فامض)). (رواه الطبراني وأبو داود، والحديث ضعيف).