من عَرَفَ الله تعالى لم يتوانَ عن ذكره وشكره وحسن عبادته، وذكر الله قوّة للقلوب وغذاء للرّوح، وليس بعد تلاوة القرآن عبادةٌ تؤدّى باللسان أفضل من ذكر الله سبحانه وتعالى، ورفع الحوائج إليه بالدُّعاء الخالص، قال تعالى: {ولذكر الله أكبر}1. وذكر الله تعالى يعني أن يستشعر المؤمن قدرة الله وعظمته، فهو القادر القاهر الذي بيده ملكوت كلّ شيء، ومحلّ ذلك القلب ودليله اللِّسان، وكلَّما زاد تعظيمُ الله تعالى في النَّفس كلَّما انعكس ذلك على الذِّكر، وكلَّما أكثر الإنسان من الذكر كلَّما زاد تعظيم الله في قلبه، فهي علاقة تبادلية، والقارئ لكتاب الله تعالى يدرك أنَّ الله تبارك وتعالى أمر بالإكثار من ذكره سبحانه، قال تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا اذكروا الله كثيرا وسبّحوه بكرة و أصيلا}2.
ويزداد ذكر الله تعالى عند النوازل وطلب الحوائج، فتجد المؤمن يلج لسانه بالذكر والدُّعاء، لأنَّه يعبّر عن الاستعانة بالخالق القادر المهيمن الذي بيده ملكوت كلّ شيء، قال تعالى: {فإذا مسكم الضر ضل من تدعون إلاَّ إياه}3.
ومن هنا نجد أنَّ المسلمين يستعينون بالذّكر عند مواجهة الأعداء، لأنَّهم بذلك يستحضرون قوَّة الله وتأييده وعونه، فلا ملجأ من الله إلاَّ إليه، وهذا ما تجلَّى في ثورات الشباب المسلم في المنطقة؛ ففي ميادين التَّحرير والتغيير، انطلقت الحناجر بالذّكر والدُّعاء والاستغاثة، فنسمع "يا الله" و"الله أكبر" و"حسبنا الله ونعم الوكيل"، وغيرها من الأذكار والأدعية خصوصاً عندما تشتد المواجهة ويتعرّض المعتصمون المسالمون إلى البطش أو الإيذاء، فما فضل الذكر وفوائده؟ وما ثمراته؟ وما العلاقة بينه وبين الثبات في الميادين؟ المسلمون يستعينون بالذّكر عند مواجهة الأعداء، لأنَّهم بذلك يستحضرون قوَّة الله وتأييده وعونه، فلا ملجأ من الله إلاَّ إليه
فضل الذكر وفوائده:
ورد في فضل الذكر وفوائده كثيرٌ من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ نذكر منها:
1- إذا ذكر المؤمن ربَّه ذكره الله تعالى في نفسه، قال تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}4.
2- يستحق أهل الذكر والمكثرون منه أن يستجيب الله دعاءهم ويكفِّر سيّئاتهم ويدخلهم جنَّات تجري من تحتها الأنهار، قال تعالى: {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}5.
3- ذكر الله تعالى حياة للقلوب، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مثل الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميّت))6.
ولقد حذَّر الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم من ترك ذكر الله، وطغيان الحديث في غير الذكر على المجالس، فإذا اجتمع النَّاس في مجلس ولم يذكر الله خلاله قاموا عن مثل جيفة حمار، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلاّ قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة))7.
ثمراته:
وأمَّا ثمراته على الفرد والأمَّة، فهي كثيرة نذكر منها:
1- الإقبال على الطَّاعات والكف عن المعاصي: إنَّ الذاكر لله يستشعر مراقبه الله تعالى وإحاطة علمه بكلِّ حركة من حركاته أو سكنة من سكناته، فينتهي عمَّا نهى عنه ويأتي بما أمر، قال تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}8، ومن هنا نفهم الالتزام السلوكي والأخلاقي للمعتصمين الذاكرين لله تعالى، فلم تسجل أي حادثة تحرّش بالنساء في ميدان التَّحرير في مصر رغم كثرة الاختلاط بينهنَّ وبين الرِّجال ولأيام طويلة.
الاطمئنان النفسي أعظم أسباب النَّصر والاستمرار في مقارعة الظلم، وهو ما كان ولازال له الدَّور الأعظم في عدم الخوف من ترهيب الأجهزة الحاكمة وتهديدها بفضِّ الاعتصامات بالقوَّة
2- اطمئنان القلب وهدوء البال وراحة النفس: إنَّ الذاكر لله تعالى يشعر بمعية الله معه، لأنَّ كثرة الذكر تخفّف من مصائب الإنسان، وتذهب همَّه وحزنه، قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}9، الاطمئنان النفسي أعظم أسباب النَّصر والاستمرار في مقارعة الظلم، وهو ما كان ولازال له الدَّور الأعظم في عدم الخوف من ترهيب الأجهزة الحاكمة وتهديداتها بفضِّ الاعتصامات بالقوَّة، وما رأيناه من سكينة تفيض بها نفوس الشَّباب ما هو إلاَّ ثمرةٌ من ثمار تمسّكهم بذكر الله تعالى واعتصامهم به، حيث تسيل دماء أحدهم، فيستقبل ذلك بهدوء وسكينة نادرة ويستشهد إخوانهم فلا يخافون أو يتردّدون.
3- ذكر الله من عوامل النصر على العدو: فالمسلم المجاهد حين يذكر الله في القتال يشعر أن الله معه يثبته ويقوّيه ويعينه على عدوّه، ويرفع من روحه المعنوية، قال تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}10، أمَّا أروع هذه الثَّمرة؛ حيث صبر الشباب على الإيذاء والبلطجة والقتل والاستهداف المباشر لأجسادهم الضَّعيفة بالرَّصاص والقنابل المسيّلة للدُّموع، كان أحدُهم يرى أخاه يسقط أمامه، فيزيده إصراراً وثباتاً، وقد رُوِيَ أنَّ أحدَهم أصيب أكثر من ثلاث مرَّات وهو مصمِّم على العودة للاعتصام والمشاركة، وقد كان هذا الثبات من أعظم أسباب النَّصر الذي منَّ الله به على الثائرين، وهو حليف من سار على دربهم بإذن الله.
------------------------
الهوامش:
1-العنكبوت 45
2-الأحزاب 42
3-الإسراء 67
4-البقرة 152
5- الأحزاب 35
6- رواه البخاري.
7- رواه أبو داود والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان، والحديث صحيح.
8-العنكبوت 45
9-الرَّعد 28
10-الأنفال 15-16