((نظّفوا أفنيتكم)) .. خلق وذوق

الرئيسية » بصائر من واقعنا » ((نظّفوا أفنيتكم)) .. خلق وذوق
alt
وردت عبارة العنوان : ((نظِّفوا أفنيتكم)) في حديث حكم عليه علماءُ الحديث والمختصون في هذا الفن بالضَّعف، وعندما نستعير هذه العبارة، لا نعتقد صحة ورودها عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، لكنَّنا نقتبسها ونحن نعدّها  من مأثورات القول والحكم البليغة؛ لأنَّها تشكِّل  في فحواها الخطاب الإسلامي الذي يدعو إلى أن يكون المسلم شامة بين النَّاس، يعيش في بيئة نظيفة وطاهرة، نقاء قلبه ولسانه، وطهارة ملبسه ومأكله  ومشربه.
إنَّ المسلم المتوضّئ للصَّلوات الخمس، الملبِّي لنداء (الله أكبر)، الذَّاهب إلى بيوت الله سبحانه، حيث الطّهر والنَّقاء، المستجيب لقوله الله تعالى : {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}. (الأعراف:31)، حريٌّ به أن يكون نظيفاً في محيطه كلِّه، في منزله، ومكان عمله، وحيّه ، وشارعه ..

فبنظرة سريعة على بعض أحياء مدننا وشوارعها وأزقتها يتأكَّد لدينا أنَّ جزءاً كبيراً من أفراد مجتمعنا قد أهمل نظافة محيطه،  فترى القُمامة تتراكم في كلّ ناحية وزاوية، وأرصفة الطرق مليئة بالأوساخ والقاذورات، وفي المقابل ترى النّاس جميعهم يشتكون ويتأذون من هذه المظاهر غير الحضارية، والصُّور القاتمة، والنتيجة أنَّ تلك المظاهر والصُّور هم الذين صنعوها بأيديهم وعن طواعية منهم، وفي لحظات توصف باللامبالاة وعدم المبادرة بالحفاظ على البيئة ونظافة المحيط.
إنَّ مسؤولية نظافة المحيط ليست مرتبطة بموظفي شركات التنظيف الخاصة أو العامة فحسب، فهم يؤدون دورهم المطلوب، بل المسؤولية تقع علينا نحن كأفراد من هذه المجتمع، مسؤولية شخصية فردية في التزام النظافة، ومسؤولية في تربية أبنائنا على هذه الخلق  لتصبح لديهم  ثقافة ينقلونها فيها بينهم.

للطريق حقّه ..

كما أنَّ للجسد حقّاً، فإنَّ للطريق حقّاً كذلك، فقد شملتها تعاليم الإسلام بالاحترام، إذ أمر الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم صحابته الكرام - وهو تعليم لأمته جمعاء - بأن يعطوا الطريق حقّها،  حتّى قيل له: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال عليه الصَّلاة والسَّلام :  ((كف الأذى)). (أخرجه البخاري ومسلم). ويدخل في كف الأذى إيذاء النَّاس برمي الأوساخ والقاذورات في مكان مرورهم أو اجتماعهم.

إماطة الأذى..
alt
عن أبي هُرَيرَةَ قال : قال رسولُ اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم :  ((الإِيمانُ بِضعٌ وسَبعُونَ أَو بِضعٌ وستون شعبة، فأَفضلها قول لا إله إلاَّ اللَّهُ وَأَدناها إِماطة الأَذَى عن الطّريق، والحياءُ شعبة من الإيمان)).
فقول (لا إله إلاَّ الله) من أعمال اللسان، و (إماطة الأذى) من أعمال الجوارح، و (الحياء) من أعمال القلوب.
ومن فضائل إماطة الأذى عن الطريق: أنَّه سبب لدخول الجنة، فعن أبي هريرة  رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلَّى الله عليه وسلّم : (( لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين )). (رواه مسلم).كما أنَّه سبب لمغفرة الذنوب، فعن أبي هريرة أيضاً قال : قال رسول الله  صلَّى الله عليه وسلّم : (( بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق ، فأخره فشكر الله له ، فغفر له )).  (متفق عليه).

إماطة الأذى صدقة ..

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((يميط الأذى عن الطريق صدقة )). ( رواه البخاري).
والأذى في هذا الحديث  ما يؤذي المارة؛ من قذر و نجس وحجر وشوك  ونحو ذلك ..
وفي التمهيد لابن عبد البر، عن أبي ذر الغفاري قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم : (( ... وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق صدقة)).

للفقهاء كلمة ..

لفقهاء الأمَّة الإسلامية موقف من إهمال بعض المسلمين لموضوع العناية بنظافة المحيط، فيقولون: (من ألقى أذى في الطَّريق، وتسبَّب بذلك في جناية على إنسان أو حيوان فهو مسؤول ويضمن)، ويمثل فقهاء المذهب الحنبلي لذلك، فيقولون:  (لو أنك سكبت الماء مع الصابون في الطريق فجاء بعير وانزلق فكسرت رجله فأنت ضامن).
وفي الفقه الحنفي: (إذَا صَبَّ الماء في الطَّرِيق أو رَشَّ أو تَوَضَّأَ فَعَطِبَ بِهِ نَفسٌ أو مَالٌ يَضمَنُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فيه).  وورد أيضاً عن فقهاء المذهب الحنفي أنَّ من قام بتنظيف الطريق فأصيب إنسان أو حيوان في موضع تنظيفه لا يضمن : (إذَا كَنَسَ الطَّرِيق فَعَطِبَ بِموضع كَنْسِهِ إنسانٌ حيث لم يضمن، لأَنَّه ليس بمُتَعَدٍّ فيه لأَنَّه لم يُحدِثْ فيه شيئاً، وإنَّما قَصَدَ إماطة الأَذى عن الطَّريق).

وبعدُ ..

فإنَّها مسؤوليتنا جميعاً في جعل أحيائنا وشوارعنا  خالية ممّا يعكِّر صفاء حياتنا  ونقاء بيئتنا، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} )البقرة:222).

معلومات الموضوع

الوسوم

  • صحة
  • مجتمع
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    من عوامل ثبات أهل غزة

    قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم …