وقيل: إنَّ أصل القنوت في اللغة الدَّوام على الشَّيء؛ ومن حيث كان أصل القنوت في اللَّغة الدوام على الشَّيء جاز أن يسمَّى مديمَ الطَّاعة قانتاً، وكذلك من أطال القيام والقراءة والدُّعاء في الصَّلاة، أو أطال الخشوع والسُّكوت، كلّ هؤلاء فاعلون للقنوت.
ويظهر ممّا سبق أنَّ القنوت غير مخصوص بصلاة معيّنة أو بوقت معيّن كصلاتي الصبح أو الوتر، وبحث هذه المسألة مبثوث في كتب الفقه الإسلامي، أمَّا الذي يعنينا في هذا الموضوع، هو ذلك الخلق الذي كان يتمثَّل به النبي صلَّى الله عليه وسلّم إذا ألمَّ بالمسلمين خطبٌ أو حلَّ بهم مكروه أو حطَّت بحالهم نازلة من النوَّازل، وهو المعروف بقنوت النّوازل.
عن أنس قال : قنت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم شهراً يدعو على رِعْل وذَكوان). قال عكرمة : (هذا مفتاح القنوت).
مشروعية قنوت النَّوازل ..
إذا نزل بالمسلمين نازلة؛ كوباء أو مطر يضرّ بالعمران والزَّرع أو خوف عدو أو أسر عالم، أو عدوان أو اضطهاد للمسلمين شرع لهم القنوت في الرَّكعة الأخيرة من جميع الصَّلوات المكتوبات قبل الرّكوع أو بعده، فعن أنس رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب ثمَّ تركه، وفي لفظ للبخاري: (قنت شهراً حين قتل القرَّاء فما رأيته حزن حزناً قط أشد منه). وفي لفظ آخر له : (عن أنس قال : قنت النبي صلَّى الله عليه و سلَّم شهراً يدعو على رِعْل وذَكْوَان). قال عكرمة : ( هذا مفتاح القنوت).
وعن البراء بن عازب أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلّم كان يقنت في صلاة المغرب والفجر.
وعن أبي هريرة قال: لأقرِّبن بكم صلاة رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلّم، فكان أبو هريرة يقنت في الرَّكعة الأخيرة في صلاة الظهر والعشاء الأخيرة وصلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار. وفي رواية لأحمد: صلاة العصر، مكان: صلاة العشاء الآخرة.
من أدعية القنوت..
عن عائشة رضي الله عنها قالت أخبرني الحسن بن علي رضي الله عنه قال: علَّمني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دعاء القنوت في الوتر : ((اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شرَّ ما قضيت، إنَّك تقضي ولا يقضى عليك، وإنَّه لا يذلّ من واليت، تباركت وتعاليت)). (رواه الطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في السنن الكبرى).
عَن عُبَيد بن عُمَيْرٍ : أنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه قَنَتَ بعد الرُّكُوع، فقال : (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ ، وَيُكُذِّبُونَ رُسُلَكَ ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمَ ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الذي لاَ تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوم الْمُجرمين، بسم اللَّه الرَّحمن الرَّحيم، اللَّهمَّ إنَّا نَستعينُكَ وَنَستغفِرُك وَنُثْنِي عليكَ ولا نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، بسم اللَّه الرَّحمن الرَّحيم، اللَّهُمَّ إيَّاك نَعبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسجُدُ، وَلَكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَخْشَى عَذَابَكَ الْجَدَّ د، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ). (رواه البيهقي في السنن الكبرى).