لم يكن يعلم حينما خرج من بيته حاملاً مفتاحه أنَّه سيتركه لعقود طويلة، فهو قد خرج ليعود بعد يومين أو ثلاثة، ليستقر في أرضه وبيارته، وبين أولاده وأحبابه، ويرتاح من أذى تلك العصابات اليهودية والجيوش الانجليزية، التي عكّرت صفو حياته البسيطة الهادئة، وجلبت القتل والأذى لإخوانه الفلسطينيين، على مدار سنوات عديدة.
خرج اللاجئ الفلسطيني، ظانّاً أنَّ الأمور ستحل بسرعة، فإذا الأمر يطول ويطول، ليستمر لأكثر من ستين عاماً. وأصبح صاحب البيت والأرض، مشرّداً، لا أرض ولا بيت ولا جنسية ولا أي شيء ممَّا كان يملكه في السَّابق.
وفي الوقت نفسه، جاء الأغراب المحتلون وأقاموا في بيته، وانتهكوا حرمة أرضه، واغتصبوا مقدساته، وعاثوا فيها فساداً، حوَّلوا اسم قريته العربية الأصلية، لاسم غريب عنها لا يتناسب مع أصالتها وعراقتها، وسلبوا فلسطين جمالها وبهاءها، ورسموا على جبينها الحزن على فراق الأحبَّة والأهل.
منعوا ذاك اللاجئ والملايين من أمثاله، من العودة إلى الأرض، التي غرس أشجارها بيده، وزينها بجهده، وورثها عن الآباء والأجداد، وقتلوا من رفض ذلك المنع، ونكّلوا به، من اعتقال، وتعذيب، وقتل وتشريد.
ورغم عدوانهم، واحتلالهم، يظل اللاجئ الفلسطيني كغيره من اللاجئين، يعيش الأمل، بالعودة إلى تلك الدار، فيحرّرها ويطهّرها، من ظلم طال مكثه، واحتلال رفضته تلك الأرض المقدّسة على مدار السنين والعقود.
لم يرض المبعدون عن أرضهم، المنفيون عن بلدانهم، بديلاً عن أوطانهم وأرضهم، وظلوا متمسكين، بحق عودتهم، ورجوعهم، وتحريرهم لما سلب منهم.
لقد راهن اليهود، على نسيان القضية، وموتها بموت أصحابها، لكنَّهم فوجئوا بأنَّ الكبار والصغار، ما زالوا يعيشون ذاك الأمل، وما زالوا يردّدون شعارات العودة، ويحيون ذكراها، وعينوهم ترقب فلسطين، كلّ فلسطين
ظلت يافا وحيفا، والمجدل وعسقلان، واللد والرملة، والقدس وضواحيها، وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية، حاضرة في أذهان الكبار والصغار، يستذكرونها، ويتمنون أن يروا ذلك اليوم، الذي سيدخلوا إليه فاتحين، لينهوا احتلالاً طال مكثه ومدته.
وفي الوقت نفسه، لم يرض هؤلاء المهجّرون، بأنصاف الحلول، ولم يقبلوا بالمساومة أو التعويض، وجعلوا منها حقاً ثابتاً لا يقبل إلا حلاً واحدا، وهو العودة إلى الأرض، وإنهاء الاحتلال.
لقد راهن اليهود، على نسيان القضية، وموتها بموت أصحابها، لكنَّهم فوجئوا بأنَّ الكبار والصغار، ما زالوا يعيشون ذاك الأمل، وما زالوا يردّدون شعارات العودة، ويحيون ذكراها، وعينوهم ترقب فلسطين، كلّ فلسطين، وأملهم بالعودة يزداد ويكبر، لأنَّهم أصحاب حق، ولأنَّهم مهما طال عليهم الزَّمن سينتصرون بإذن الله.