(فمتى استقام القلب على معرفة الله وخشيته، وإجلاله، ومهابته، ومحبَّته، وإرادته، ورجائه، ودعائه، والتوكل عليه، والإعراض عمَّا سواه، استقامت الجوارح كلّها على طاعته ).
أبو بكر الصديق رضي الله عنه
ولتحقيق حقيقة معرفة الله جاءت الدّعوة إلى ضرورة التفكر، لكن هذا التفكّر مقصور على دلائل إبداع الله سبحانه لهذا الكون الفسيح، وآلائه في السماوات والأرض، لا التفكر في ذاته سبحانه وتعالى، التي أكَّد القرآن الكريم أنَّه ليس كمثله شيء ، قال الله تعالى :{ ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم}.
وورد النهي في التفكر في ذاته عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إذ قال : ( تفكَّروا في خلق الله ولا تفكّروا في الله)
وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال : (تفكَّروا في كلِّ شيء ولا تفكروا في ذات الله).دعوة إلى التفكّر ..
قال الله تعالى:{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}. (سبأ:46).
إنَّها دعوة أن يقوموا لله متجردين ثمَّ يتفكروا غير متأثرين بالحواجز التي تمنعهم من الهدى ومن النَّظر الصَّحيح.
وقال الله تعالى بعد أن بيّن حقيقة الدنيا وأنَّها دار زوال لا بقاء : {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (يونس:24)
وبعد أن أوضح بديع خلقه في الأرض، وكيف سيّر خلالها الأنهار وأنبت الثمرات مختلف ألوانها، وجعل الليل يغشي النَّهار، قال تعالى :{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الرَّعد:3).
وفي عرضه لأنواع الثمرات من النخيل والزرع والزيتون والأعناب آية وعبرة لمن ألقى فكره ونظره، قال تعالى : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (النّحل:11).
(أحبُّ أن لا أموت حتَّى أعرف مولاي، وليس معرفته الإقرار به، ولكن المعرفة إذا عرفته استحييت منه)
أحمد بن عاصم الأنطاكي
وفي حديثه عن العسل الذي هو دواء وشفاء، دعوة إلى إمعان الفكر، قال الله تعالى:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (النحل:69).
وفي أسرار الزَّواج وحكمة الله فيه من المودّة والسكن آيات تتطلّب التفكير، قال الله تعالى:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الرّوم:21).
وفي حقيقة الموت وأسراره دلائل وأنوار هادية للتفكر، قال الله تعالى :{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الزّمر:42).
وفي تسخير الله سبحانه ما في السماوات والأرض للإنسان دعوة له إلى التفكير في عظمة الخالق، قال الله تعالى:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الجاثية:13).
وفي قوّة تأثير القرآن الكريم في الجمادات كالجبال وغيرها بيان أهمية كتاب الله عزّ وجل في التأثير، قال الله تعالى :{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. (الحشر:21).
وبعد أخي ..
هذه جملة من الآيات الكريمة، تحتاج منَّا إلى وقفات صادقة مع النّفس نستجلي منها حقيقة معرفة الخالق سبحانه وتعالى؛ إذ فيها دعوة صريحة إلى ضرورة التفكر في آيات الله سبحانه وتعالى في الآفاق والأنفس، حتَّى نعرفه حقَّ المعرفة، وهو مطلب المؤمنين الصَّادقين والدّعاة العاملين، حتَّى لا نكون كما قال بعضهم: (مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل له : وما هو ؟ قال : معرفة الله عزَّ وجل). وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي : (أحبُّ أن لا أموت حتَّى أعرف مولاي، وليس معرفته الإقرار به، ولكن المعرفة إذا عرفته استحييت منه).