علم النَّقد والتَّجريح .. مطلبٌ له رجاله (1-3)

الرئيسية » بصائر نبوية » علم النَّقد والتَّجريح .. مطلبٌ له رجاله (1-3)
alt

تميّزت أمتنا الإسلامية بخصائص لم تشهدها أو تتوافر في أمم غيرها، ذلك أنَّها خيرُ أمّة أخرجت للنَّاس؛ فمن هذه الخصائص التثبتُ في نقل الأقوال والأخبار، ومعرفة مصدرها، ومن أيّ وعاء خرجت، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}. (الحجرات:6).

ولاشكَّ أنَّ معرفة المصدر هي مربط الفرس في قبولها أو ردّها، وفي ذلك يدلّ قول الإمام مالك إمام دار الهجرة: ( كلٌّ يؤخذ من قوله ويردّ إلاَّ صاحب هذا القبر) ويقصد النبي المعصوم عليه الصَّلاة والسّلام، وحتَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم، فقد وُجِد كذَّابون ووضَّاعون ينسبون إليه الأقوال والأفعال.

ومنذ أن انتشرت أحاديثهم وأقوالهم في الكتب والمصنّفات انبرى ثلة من العلماء لدراسة أحوال الرّجال والتثبت في نقل أقوالهم وأخبارهم، ومن هنا نشأ علم الجرح والتعديل،الذي يبحث في أهلية الرّاوي أو ناقل الخبر، لأنَّ ذلك يعدّ شرطاً في قبوله أو ردّه، وكان هذا ممَّا حمل علماء الحديث على نقد الرّواة، والتنقيب عن أحوالهم وخفايا أمورهم، والإفصاح بما فيهم من العيوب التي تسبّب عدم الثقة بأخبارهم، من باب النَّصيحة للأمَّة.
لاشكَّ أنَّ معرفة المصدر هي مربط الفرس في قبولها أو ردّها، وفي ذلك يدلّ قول الإمام مالك إمام دار الهجرة: ( كلٌّ يؤخذ من قوله ويردّ إلاَّ صاحب هذا القبر)
وقد وضع العلماء شروطاً للنَّاقد أو الجارح، منها:

1- العدالة : لأَن المجروح في عدالته لا يقبل خبره.
2- العلم بأسباب الجرح ودواعي القدح؛ فهناك أسباب لا توجب الجرح في الرواة بينما قد تبدو للجارح كذلك .
3- اليقظة والبعد عن الغفلة؛ لأنَّ غفلة الجارح قد تؤدِّي إلى الاغترار بظاهر حال الراوي فيُوَثَّق ، وقد لا يَتَثَبَّت في أمره فيُجرَح .
4- الورع والتّقوى؛ لأنَّ قلة الورع واتّباع الهوى إذا وُجد في المختلفين كان باعثاً قوياً على تفجير نيران التجريح.

ولعلماء نقد وجرح الرّجال مراتب وأسماء يطلقونها على الأشخاص الذين تتّبعوا سيرهم وأحوالهم، نذكرها بإيجاز :
(ليس بالقوي، ضعيفٌ، ليّنٌ، لفظ متروك، مُنكر الحديث، سَاقِط الحديث، ذاهبُ الحديث، واهٍ بمرَّة، ضعيفٌ جداً، كذّاب، ركنُ الكذب، دجّال الدَّجَاجِلَة ). وبذلك قدّموا للأمَّة الإسلامية خدمة جليلة في صون أحاديث نبيّها صلَّى الله عليه وسلّم من الكذب والوضع، وأسّسوا لمنهج التثبت والتبيّن في قبول أو ردّ الأحاديث والأخبار والرّوايات، وفي بيان أحوال الرّجال على مرّ التاريخ، خصوصاً في زماننا الذي انقلبت فيه الموازين، وقد وصفه عليه الصّلاة والسَّلام في الحديث الصحيح : ((سَيَأتِي عَلَى النَّاس سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ وَيَخُوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبَضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبَضَةُ ؟ قَالَ : الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ)). (رواه ابن ماجه في سننه، والحاكم في المستدرك على الصَّحيحين، وأحمد في مسنده بألفاظ متقاربة).

لقد امتلأت مجالسنا ومنتدياتنا، وعجَّت الفضائيات ووسائل الإعلام برجال يشكّلون ألوان الطّيف بأقوالهم وأصواتهم وأحاديثهم .. حتّى أصبح من الصّعب التمييز بين الأصيل والدّخيل، وبين الغث والسّمين، ولعلَّ في المنهج الذي وضعه علماء الحديث من سلفنا الصالح سبيلٌ لبيان تحريف الغالين وانتحال المبطلين وكيد الحاقدين المغرضين، وزيف المدّعين ولابسي أثواب الزّور.

إنَّ نقدَ الرّجال وبيانَ أحوالهم بما يعود بالخير والنفع لأفراد الأمّة  هو منهجُ الرّسول صلَّى الله عليه وسلّم وصحابته والتابعين؛ حين قال: ((بئس أخو العشيرة))، وهو المنهج ذاته الذي سار عليه جماعة من الصَّحابة والتابعين، فقد ذكر الخطيب البغدادي ثلة منهم تكّلموا في الرّجال.

وفي الحلقتين القادمتين نتناول - بإذن الله - ضوابط نقد الرّجال ونماذج من أقوال علماء الأمَّة في آداب النّقد وقبوله، ونقد الأقران، وملامح من حياة ثلة من فوارس الجرح ونقد الرّجال.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

التحذير من علماء السُّوء !

عنوان هذا الموضوع هو اسم لكتاب ألفه الحافظ أبو الفتيان الدّهستاني، الرَّوَّاسيّ؛  عمر بن محمد …