اغتيال بن لادن .. استهانة أمريكية بقيم العدالة

الرئيسية » بصائر الفكر » اغتيال بن لادن .. استهانة أمريكية بقيم العدالة
alt

بالرَّغم من اختلاف العالم بما في ذلك العربي والإسلامي مع فكر ومنهج أسامة بن لادن في التعامل مع الاحتلال، إلاَّ أنَّ أحداً لم يرض عن الطريقة التي اتبعتها الإدارة الأمريكية في التخلص منه بالاغتيال، بالرَّغم من قدرتها على اعتقاله ومحاكمته محاكمة عادلة، خاصة وأنَّه لم يكن مسلحاً أثناء القبض عليه، وأنَّ ما فعله لا يقارن بما ارتكبه الرَّئيس السَّابق "جورج دبليو بوش" في العراق وأفغانستان، وما فعله رئيس وزراء الكيان الصهيوني السَّابق أولمرت أثناء الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وما ارتكبه مجرمو الحرب في العديد من دول العالم الذين قدَّمتهم الولايات المتحدة نفسها للمحاكمة العادلة.
ولم تكتف الإدارة الأمريكية بعملية الاغتيال، بل قامت كذلك بالتمثيل بجثة بن لادن ودفنه في البحر، دون مراعاة لمشاعر الملايين من المسلمين الذين يرون في ذلك الفعل استهانة واستهتاراً بالعرب والمسلمين.

إنَّ الإدارة الأمريكية أخطأت مرتين عندما قامت بذلك العمل الإجرامي، الإدارة الأمريكية أخطأت مرَّتين عندما قامت بذلك العمل الإجرامي، الأوَّل: انتهاكها للأعراف والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان، والثاني، انتهاك سيادة الدول والقيام بأعمال غير مشروعة بداخلها، إذ قامت القوات الأمريكية الخاصة بتلك العملية فوق الأراضي الباكستانية دون علم من السلطات الباكستانية التي نفت معرفتها أو اشتراكها في هذا العمل، وهو ما يعني أنَّ الإدارة الأمريكية تستبيح أراضي وسيادة الدول، وتنتهك القانون الدولى من أجل تحقيق مصالحها الخاصة، حتَّى ولو أدَّى ذلك لحدوث ضرر على المستوى العالمي.

لقد استخدمت الولايات المتحدة بن لادن وتنظيم القاعدة كفزَّاعة للعالم أجمع، وسمحت لنفسها بزعم مواجهة الإرهاب بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، بل ووصل الأمر لدرجة احتلال دول وتقسيم أخرى، مثلما حدث في العراق وأفغانستان والسودان، ومواصلة استخدام تلك الذريعة الواهية كمبرِّر للتدخل في شؤون أية دولة دون مراعاة لسيادة تلك الدول، لذلك يمثل استشهاد بن لادن فرصة سانحة للعالم أجمع خاصة العالم العربي لوقف التدخلات الأمريكية والغربية في شؤونه الدَّاخلية بزعم مواجهة الإرهاب، والتأكيد للعالم على أنَّ الولايات المتحدة هي الصَّانع الأكبر للإرهاب في العالم، وأنَّها تستخدم ذلك وفقاً لمصالحها الخاصة، وأنَّ استمرار تلك السياسات غير المنضبطة من شأنه أن يضر بأمن واستقرار العالم.
إذ من شأن استمرار بقاء الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان، والاحتلال الصهيوني لفلسطين، واستخدام ذرائع الإرهاب لارتكاب المجازر الإنسانية ضد المدنيين العزّل، أن لا يتحقَّق السَّلام وأن لا يشعر العالم بالأمان.
فكما هو واضح ممَّا يحدث في العراق وأفغانستان وما حدث في السودان ويحدث في فلسطين والصومال، تعتبر الولايات المتحدة والكيان الصهيوني السبب الرئيس وراء موجات العنف والإرهاب التي اجتاحت العالم في المرحلة الماضية، بسبب سياساتهما العنصرية واحتلالهما للأقطار العربية والإسلامية، وقيامهما بصناعة العناصر الإرهابية التي تساعدهم في تنفيذ مخططاتهم الإجرامية في المنطقة.

ويأتي ذلك كلّه بزعم الحرب ضد الإرهاب، ذلك البعبع الذي تمَّ إلصاقه بكل ما يعارض السياسات الصهيو ـ أمريكية في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك المقاومة المشروعة للاحتلال، والتى كفلتها المواثيق والأعراف الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وأكدت عليها المنظمات الدولية التى ترعى السلم والأمن في العالم.
لذلك تمثل عملية اغتيال بن لادن فرصة للعالم لكي يفرِّق بين الإرهاب وبين الحقوق المشروعة للشعوب والمجتمعات في مقاومة المحتلين والمغتصبين للأراضي والمقدسات، وأن يتوقف عن الانسياق وراء المزاعم الصهيونية والأمريكية التى تحاول تصوير المقاومة على أنَّها إرهاب، حتى تبرّر لنفسها ارتكاب جرائم ضد الإنسانية مثلما فعل الكيان الصهيوني مؤخراً في قطاع غزة، بعد أن شنَّ عليهم حرباً مجرمة أسفرت عن مقتل أكثر من 1500 شهيد وإصابة أكثر من 5000 آلاف فرد.
ليس هذا فحسب، بل وأن يفيق العالم من الكذبة الكبيرة التي روَّجتها الأوساط الصهيونية والغربية التى حاولت أن تربط لسنوات طويلة بين الإسلام والعنف، وتحاول تصوير المسلمين على أنَّهم مجموعة من الإرهابيين الذين يسعون للقضاء على الحضارة الغربية.

وأيّاً كان الوضع، فإنَّ مقتل بن لادن لا يمثل نصراً أمريكيا كبيراً مثلما تحاول الإدارة الأمريكية أن تصوّره، بقدر ما هو يمثل نصراً شخصياً للرئيس أوباما، لأنَّ بن لادن لم يكن بعيداً يوما ما عن أيدي القوات الأمريكية، فقد كان بوسع جورج دبليو بوش أن يتخلص من بن لادن أكثر من مرة، وجاءته أكثر من فرصة لذلك، إلاَّ أنَّه كان يرفض، لأنَّ وجود بن لادن يمثل بالنسبة له طوق النَّجاة لكثير من القضايا التى يعجز عن تمريرها داخل الولايات المتحدة وخارجها، فلقد كان بن لادن وتهديدات تنظيم القاعدة للأمن الأمريكي والتى تمَّ ترويجها بنجاح داخل الولايات المتحدة السبب الأكبر وراء نجاح جورج دبليو بوش بولاية رئاسية ثانية.
وذلك على عكس حال الرئيس أوباما، الذي يمثل مقتل بن لادن له في هذا التوقيت الحساس أمراً في غاية الأهمية، إذ شهدت القوات الأمريكية العاملة في أفغانستان مقتل العديد من عناصرها خلال المرحلة الماضية، وبشكل أضر بموقف أوباما الداخلي وبفرص نجاحه بولاية ثانية في الانتخابات الرّئاسية المقبلة، لذلك كان يتعيَّن عليه أن يقوم بعمل يعيد ثقة الأمريكيين في إدارته، ويحسّن من صورته أمام الرَّأي العام الأمريكي.

وفي هذا الصَّدد نستطيع أن نؤكِّد أنَّ بن لادن انتهى دوره بالنسبة للإدارة الأمريكية وكذلك بالنسبة للمحافظين الجدد، ولم تعد هناك حاجة أمريكية لبقائه، لذلك تمَّ الاتفاق على التخلص منه، خاصة بعد التغييرات الجذرية التى بدأت تشهدها المنطقة العربية، والتى توجب على الولايات المتحدة ومؤسساتها المختلفة أن تعيد النظر في استراتيجاتها القديمة الخاصة بالمنطقة، وتبحث في سبل وآليات أخرى للتعامل بها معنا، خاصة بعد أن ثبت زيف دعاوى الإرهاب التى طالما وصموا بها دولاً ومنظماتٍ في منطقة الشرق الأوسط.
إنَّ ذلك يوجب على العالم الغربي أن يراجع مواقفه الخاصة بالتعامل مع الحركات الإسلامية التى يضعها جميعا في كفَّة واحدة، دون أن تفرّق بين الحركات التي تسعى للتغيير والإصلاح بالطرق السّلمية، وبين تلك التي تتبنى العنف والإرهاب، وذلك تنفيذاً لأجندات صهيونية مشبوهة، ترى في تلك الحركات خطراً فادحاً على مشروعها الاستعماري في فلسطين والمنطقة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

الإيمان بالله ونسبية أينشتاين

النظرية النسبية التي جاء بها أينشتاين في مطلع القرن العشرين، هي واحدة من أهم النظريات …