لا يمكن أن تجابه الصِّعاب إلاَّ بقوة صامدة عتيّة على الانكسار، تتوحّد فيها جهود الخيّرين، وتتكسر على عتباتها محاولات العابثين، فتفشل محاولات مكرهم وتفتيتهم للأمَّة وأبنائها.
وفي الوقت نفسه، لا توجد وسيلة تفرح الأعداء والحاقدين، أكثر من تمزّق الصّف، وتشتت الكلمة، وضرب الوحدة الوطنية، وإفشال البعض لجهود المصلحين وأصحاب الثوابت، ممَّا يؤخّر حصد الإنجاز، والوصول إلى الأهداف والغايات.
هي باختصار.. تلخيص لما جرى في القاهرة قبل أيام معدودة، من وحدة للصف الفلسطيني، بعد سنوات من الفرقة والانقسام، وما أعقب ذلك من إضعاف للجبهة الوطنية، والخوض في الخلافات الداخلية على حساب مجابهة العدو، قاتل النفوس، ومغتصب المقدسات، ومدنّس الأرض.
الإسلام و الوحدة
إنَّ وحدة الصَّف الداخلي، وزيادة التماسك واللّحمة بين أفراده، لها أثر كبير في زيادة الصمود، والوقوف أمام همجية الأعداء، والتصدّي لمؤامراته وإفشالها. ولهذا أوجب الإسلام في كثير من نصوصه توحيد الصَّف، وعدم التفرّق والاختلاف، فقال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} فهو اعتصام وتمسك بثوابت الشرع وأحكامه، لأنَّه هو المخرج لكلِّ الخلافات وتعدّد الرؤى، كما أنَّ نصوصه وأحكامه ناظمة لكلِّ وجهات النظر، والبرامج المختلفة.
إنّ الاختلاف في وجهات النظر واردٌ وموجود، لكن لابدّ من تغليب المصلحة العليا على المصالح الشخصية والفئوية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والرضى بنتائجها التي تعبر عن إرادة الشعب وتطلعاته وآماله
إنَّ الأمة الإسلامية بما فيها الشعب الفلسطيني، هي أمَّة واحدة، لها ربٌّ واحد، ودينٌ واحد، ولغةٌ واحدة، وتاريخٌ واحد، ولا يقبل أن تبقى متفرقة منقسمة، بل لابد أن تتوحَّد في ضوء الرَّوابط السَّابقة، فمن خرج عن الثوابت الوطنية في التمسك بالمقاومة وحق العودة والحفاظ على الوحدة الوطنية، فلابد أن يصحح منهجه، ويعدّل برنامجه، ويعود للصف الوطني.
إن الاختلاف في وجهات النظر وارد وموجود، لكن لابد من تغليب المصلحة العليا على المصالح الشخصية والفئوية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والرضى بنتائجها التي تعبر عن إرادة الشعب وتطلعاته وآماله.
سبيل للنصر والتمكين
الوحدة والتجمع، هي أقصر الطرق لبلوغ الأهداف، فتماسك الشعب بكافة أطيافه يشكِّل عاملَ قوَّة، لمواجهة العدوان والاحتلال، وقد ضرب الشعب الفلسطيني خصوصاً أروع الأمثلة في التصدِّي للاحتلال عبر عقود من الزمن، فأفشل العديد من المخططات، وكبّد العدو الخسائر في أكثر من موقف، وقدَّم أجمل صورة للثبات والثورة في انتفاضتيه الشعبيتين، وصمد على ثوابته أمام ترسانة اليهود العتيدة، وبقي متمسكاً بالقدس لا يقبل التنازل عنها، رغم التضييق والحصار ومحاولات الاقتحام والتهويد، وذلك لأنَّهم على قضيتهم متوحدون متمسكون.
إنَّ الشعوب لم تنل حريتها، ولم تطح بمحتليها وطواغيتها، إلاَّ بعد أن تضافرت الجهود تحت راية واحدة، فأزالت أعتى الظلّام، وأقوى المستعمرين، فأنهت الاحتلال، وأوقفت الظلم، ونشرت الحرية والعدالة
إنَّ أعداء الأمَّة حينما يرون وحدة جهود الشعب بكافة أطيافه، وتكاتف برامجه على نقاط محدّدة، لا تفرّط بالثوابت أو المقدسات، ولا تواجه إلاَّ المحتل بكافة الوسائل والأساليب، وتؤمن إيماناً عميقاً لا يخالجه شيء من شك أو انحراف، بالعودة إلى فلسطين كلِّ فلسطين، وتحقيق حلم الشيوخ والشباب، بالعودة والرّجوع بعد عقود من الهجرة واللجوء، فإنَّهم –الأعداء- سيعلمون أنَّ نهايتهم قد اقتربت، وحقبتهم قد أزفت على الرّحيل، ودولتهم قد غاب شمسها، ولهذا نجدهم يحاربون أيَّ مسعىً للوحدة، بكلِّ ما أوتوا من قوة، وبأي سلاح كان، عسكرياً أو اقتصادياً وغير ذلك من الأساليب التي يرفضها العقلاء من البشر.
إنَّ الشعوب لم تنل حريتها، ولم تطح بمحتليها وطواغيتها، إلاَّ بعد أن تضافرت الجهود تحت راية واحدة، فأزالت أعتى الظلّام، وأقوى المستعمرين، فأنهت الاحتلال، وأوقفت الظلم، ونشرت الحرية والعدالة.
إنَّ المشهد الفلسطيني يحتاج إلى توحيد لجميع الفرقاء والأطياف، في ظل ذكرى نكبته، وقيام دولة الاحتلال على دماء أهل فلسطين الأبرياء، وعلى انقاض بيوتهم. وأيضاً الوحدة ضرورية، في ظل الحراك الشعبي، نحو انتفاضة ثالثة ضد العدو المجرم، وفي ظل حراك دولي لكسر الحصار اللاإنساني المفروض على أهل غزة، لتمسكهم بثوابت قضيتهم، وفي ظل الدعوات المتكرّرة لاقتحام المسجد الأقصى، وغيرها من المحاولات التي تسعى فيها دولة يهود لتهويد القضية ونسيانها بين أبنائها خصوصاً وأبناء الأمَّة عموماً.
إنَّ الواقع الحالي، وما يحويه من تحديات ومستجدات، وفي ظل الثورات العربية الشعبية، التي تثور على كلِّ مستبد وظالم، يفرض على القضية الفلسطينية طابعاً خاصاً، يتمثل بالسعي لنيل الحرية كما نالته بعض الشعوب، خصوصاً وأنّ فلسطين تعاني من أطول احتلال استئصالي عسكري واقتصادي وسياسي وغير ذلك على مرّ التاريخ.
إنَّ على أطياف الشعب الفلسطيني جميعها، أن يعلموا أنَّ الظرف الحالي لا يحتمل انقساماً أو اختلافاً، لأنَّ الواقع الحالي يتطّلب جهوداً موحدة، وبرنامجاً واحداً متمسكاً بالثوابت التاريخية، لنيل الحرية والانتصار.