(هذا قسمٌ من الله سبحانه تعالى بالعصر – الذي هو الزَّمن- لما فيه من الأعاجيب، لأنَّه يحصل فيه السَّرَّاء والضَّرَّاء، والصِّحَة والسَّقم، والغنى والفقر، ولأنَّ العُمُرَ لا يقوَّم بشيء نفاسةً وغلاءً، فلو ضيَّعت ألف سنة ، ثم تبث في اللمحة الأخيرة من العمر بقيت في الجنة أبد الآباد فعلمت حينئذ أن أشرف الأشياء حياتك في تلك اللمحة ، فكأنَّ الدَّهر والزَّمان من جملة أصول النّعم ، فلذلك أقسم به ونبَّه على أنَّ اللَّيل والنَّهار فرصة يضيعها المكلّف).
وقد أدرك سلفنا الصَّالح ومن سار على نهجهم قيمة الزَّمن في حياتهم، فكانوا أحرص النَّاس على كسب الوقت وملئه بالخير والنَّافع المفيد لهم ولأمتهم، وفي هذا الكتاب يضعنا مؤلفه الشيخ عبد الفتَّاح أبو غدة رحمه الله أمام نماذج حيَّة ومؤثرة من سيرتهم العطرة في حفظهم للوقت ورعايتهم للدقائق والثواني حتَّى لا تضيع دون فائدة أو تحصيل.
مع الكتاب :
•قال الشيخ عبد الفتَّح أبو غدة في مقدّمة كتابه : ( فيجب على المسلم أن يتنبه إلى الوقت في حياته، وإلى تنفيذ كلِّ عمل من أعماله في توقيته المناسب، فالوقت من حيث هو معيار زمني من أغلى ما وهب الله تعالى للإنسان، وهو في حياة العالم وطالب العلم رأس المال والرِّبحُ جميعاً، فلا يسوغ للعاقل أن يضيّعه سدىً، ويعيش فيه هَمَلاً سَبَهْلَلاً، ومن أجل هذا دوَّنت هذه الصفحات حافزاً لنفسي ولأبناء جنسي، رجاءَ الانتفاع بما فيها من أخبار آبائنا وسلفنا الماضين، والله ولي التوفيق).
•ويقول الشيخ رحمه الله واصفاً كتابه : ( وكتابي ((قيمة الزَّمن عند العلماء)) – على ما فيه من قصور – حصيلة نحو عشرين سنة، من مطالعاتي ومراجعاتي في كتب العلم : التفسير، والحديث، والفقه، والتَّاريخ، والرِّجال، والتَّراجم، والبلدان، واللغة، والنَّحو، والأدب، والأخلاق، وسواها، في جمع مادَّته، وانتخابها، وضبطها، وعزوها إلى مصادرها ومراجعها، والمقابلة بينها، وتمحيصها، وسبكها، وتحقيقها، وإخراجها بأبهى حلَّة).
•ضمَّ هذا الكتاب عناوين ذات دلالات تربوية ونصائح علمية مفيدة، نذكر منها :
-الإمام ابن جرير كان يكتب كلَّ يوم أربعين ورقة تأليفاً .
-البيروني يتقن خمس لغات، ومات عن 120 مؤلفاً في علوم شتى.
-ابن عقيل من أفاضل العلماء وأحد أذكياء بني آدم، يقول: لا يحلُّ لي أن أضيع ساعةً من عمري.
-ابن الجوزي أربت تآليفه على 500 مؤلَّف بحفظ الوقت.
-ومن عناوين الكتاب : تعوّذ ابن الجوزي من صحبة البطَّالين – تآليف الأئمَّة السَّابقين تدل على حفظهم للأوقات – الإمام ابن مالك يحفظ ثمانية أبيات قبل موته لقَّنه إيَّاها ابنُه ...
-مقالة للأستاذ حسن البنا في أنَّ الوقت هو الحياة، وهو أغلى من الذَّهب، وهي مقالة نفيسة ناصحة فقف عليها.
مع المؤلف :
-هو الشيخ عبد الفتاح بن محمَّد بن بشير بن حسن أبوغدة، ولد في مدينة حلب الشهباء شمالي سورية، في 17 رجب 1335 الموافق 9 مايو 1917م.
-نشأ في بيت علم وصلاح، حيث كان أبوه رجلاً مشهوراً بين معارفه بالتقوى والصَّلاح والمواظبة على الذّكر وقراءة القرآن.
-درس في المدرسة العربية الإسلامية في حلب أربع سنوات ثم التحق سنة 1356/1936 بالمدرسة الخسروية التي بناها خسرو باشا أحد ولاة حلب أيام الدولة العثمانية، والتي تعرف الآن باسم الثانوية الشرعية، وتخرَّج منها سنة 1362/ 1942م.
-رحل في طلب العلم إلى مصر عام 1364/1944، فالتحق بكلية الشريعة بالأزهر،ثم تابع دراسته فتخصص في علم النفس أصول التدريس في كلية اللغة العربية في الأزهر أيضاً وحاز على شهادتها سنة 1370/1950م.
-بعد أن أكمل دراسته في مصر، عاد إلى سورية، ودرَّس مادة التربية الإسلامية أحد عشر عاماً في أبرز ثانويات حلب، ثمَّ انتدب للتدريس في كلية الشريعة في جامعة دمشق، ودرّس فيها مدة ثلاث سنوات "أصول الفقه" و"الفقه الحنفي" و"الفقه المقارن بين المذاهب"، وإلى جانب نشاطه في التدريس، كان متفرّغاً للعمل الدَّعوي؛ ففي مسجد "الخسروية" بحلب، كان يجتمع أسبوعياً آلاف المصلين لحضور خطبة الجمعة، حيث كان الشيخ يعرض على منبره قضايا الإسلام والمسلمين المعاصرة.
-كانت عضوية الشيخ في جماعة الإخوان المسلمين مبنية على قناعته بضرورة العمل الجماعي لنصرة الإسلام والمسلمين لا جريا وراء المناصب والمسمّيات، فقد كان التفرغ للعلم والتحقيق الرَّغبة الدَّائمة التَّي رافقته طوال حياته، ومع رغبة الشيخ الملحة في الانصراف بكليته إلى الجانبين العلمي والدَّعوي، فقد اضطر أكثر من مرَّة، أن يستجيب لرغبة إخوانه، فيتحمل معهم بعض المسؤوليات التنظيمية، فكان أن تولى مهام المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية مرَّتين، ثم تخلَّى عنه متفرّغاً للعلم والتأليف.
-انتخب الشيخ سنة 1382/1961م نائباً عن مدينة حلب، بأكثرية كبيرة، فنال بذلك ثقة مواطنيه، على الرغم من تألب الخصوم عليه من كل الاتجاهات، ومحاولاتهم المستميتة للحيلولة بينه وبين الوصول إلى مجلس النواب، وفي مجلس النواب السوري، وفي عام 1965 بعد عامين على حل المجلس النيابي ، غادر الشيخ سورية ليعمل مدرسا في كلية الشريعة بالرياض، ولما عاد إلى بلده في صيف 1386/1966 أدخل السجن مع ثلة من رجال العلم والفكر والسياسة ، ومكث في سجن تدمر الصحراوي مدة أحد عشر شهراً، وبعد كارثة الخامس من يونيو/حزيران سنة 1967م، أفرجت الحكومة آنذاك عن جميع المعتقلين السياسيين، وكان الشيخ رحمه من بينهم.
-بعد خروجه من السجن انتقل إلى المملكة العربية السعودية، متعاقداً مع جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض حيث عمل مدرساً في كلية الشريعة ثم في المعهد العالي للقضاء.
- في عام 1995م عاد إلى بلده سورية بعد غياب استمر سبعة عشر عاماً، وبعد سنة شعر الشيخ بضعف شديد في صحته، فعاد من حلب إلى الرِّياض ليتلقى العلاج، لكنَّ المرض لازمه إلى أن توفي رحمه الله 16 فبراير 1997 عن عمر يناهز الثمانين عاماً.
-ترك العديد المؤلفات من الكتب والدراسات والرَّسائل والتحقيقات تزيد عن الخمسين، رحمه الله رحمةَ واسعة.