زواج بنية النصر – بقلم د. ديمة طهبوب

الرئيسية » حصاد الفكر » زواج بنية النصر – بقلم د. ديمة طهبوب

يأبى بعض الناس إلاَّ أن يرتقوا بممارسات الحياة التي يشترك فيها جميع البشر من ميلاد و زواج و إنجاب و موت و قضاء غرائز و حاجات طبيعية، فيجعلون لها معنى و هدفاً و غاية و درساً لمن خلفهم ممَّن يتذكرون من أولي الألباب، و هم على هديهم يثبتون أننا أحفاد ذلك التَّاريخ الممتد العريق الذي وضعنا في عين الشمس و فضلنا على سائر الأمم يوم كانت عزتنا للإسلام و به كنا نفاخر الدنيا

في تاريخنا ترملت عصمت الدين خاتون و كانت زوجة العظيم الزنكي نور الدين، فلمَّا نوت الزَّواج مرَّة أخرى كان المهر كبيراً و كانت النيَّة عظيمة و كان العريس صلاح الدين فتوحد بزواجهما ملك الشَّام و مصر، و منهما انطلقت الوجهة نحو تحرير بيت المقدس

ملايين عقود القرآن تتم حول العالم يومياً و قلَّة منها تحفظ في صفحات التاريخ لارتباطها بمعنى عظيم و أناس عظماء وظفوا الخاص من أمورهم و أحوالهم في خدمة العام من أهداف الأمَّة، و ها هم أهلنا في فلسطين يحيون السنة الحميدة بمبادرة من مؤسسة عمارة الأقصى و المقدسات في مشروع بعنوان "اعقد قِرانك في المسجد الأقصى" ليعيدوا إلى الواجهة مفهوم الأسرة المؤمنة التي تنشأ على عين الله من المسجد المبارك على الأرض المباركة، و تفهم دورها في تدعيم ثباته و تربية الأجيال على نصرته و تحريره،

هذا المشروع برمزيته ينقل المسجد الأقصى من دائرة الضيق و الاستهداف إلى دائرة الأمل و الاستشراف بأنَّ الغد الأفضل قادم بإذن الله ما دام هناك أناس يرتبطون به في الحلّ و التّرحال و على كافة الأحوال و يحاولون استبدال أحواله القاتمة بأطياف أكثر سعادة و أزهى منظراً .

هذا المشروع يؤكِّد على أنَّ الأقصى بقدر ما هو معلم مقدَّس مشرّف و أرض مباركة هو أيضاً إنسان مجاهد يحفظ الله به المكان و الزَّمان، و نصرة القدس يجب أن تكون لتثبيت رباط أهلها حتَّى يتمكنوا من حماية المسجد الأقصى من جرذان الأنفاق و مزوّري التاريخ

لقد قام أهلنا في فلسطين بجهدهم بهذه المبادرات التي تذكرنا و تذكرهم بعظم مسؤوليتنا تجاه المسجد الأقصى، إلاَّ أنَّ هذه الخطوات ما هي إلاَّ أول الطريق و العوائق بعدها جمَّة، فالأزواج المقدسييون تحديداً لا يجدون بيوتا تؤويهم ، و قد منعت سلطات الاحتلال المقدسيين من تحسين ظروف سكناهم و ترميم بيوتهم، و جعلت من شبه المستحيل بناء مساكن جديدة لسكان القدس العرب الذين يبلغ تعدادهم بحسب إحصاء الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2007 260 ألف نسمة، و ذلك بفرض الرسوم الباهظة على رخص البناء و التي تتراوح قيمتها بين 25000-30000 ألف $ ، ممَّا يجعل تكلفة الشقة الواحدة كما تذكر دراسة أعدتها مؤسسة القدس الدولية ما بين 110-150 ألف$، و هي مبالغ يستحيل توفيرها في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها المقدسيين، و مساحة هذه البيوت لا تزيد في معظمها عن 110م، و يزيد ثمنها كلما زاد ارتفاع السقف و عدد النوافذ، فالاحتلال يأخذ من المقدسيين ضريبة الشباك و الشمس في محاولة لمنع ضوء الله من الدخول إلى بيوت المقدسيين، و ليس هذا فقط، بل إنَّ الاحتلال يجبر المقدسيين على ترك بيوتهم أو مساكنة المستوطنين في مناطق سلوان و قطنة و رأس العمود و ذلك بتزوير عقود شراء لبيوتهم في عملية احتيال كبيرة يموّلها الملياردير اليهودي موسكوفيتش الذي يمدّ (إسرائيل) بـ 15 مليون $ سنويا لدعم شراء الأراضي و بناء المستوطنات في القدس بالذات، و الأدهى من ذلك أنهم يسكنون حثالة المستوطنين مع العائلات الفلسطينية، و هؤلاء المستوطنين لا يكتفون بسرقة المساكن، و لكنَّهم لا يألون جهداً في تنكيد الحياة على العائلات الفلسطينية بالممارسات غير الأخلاقية و التحرشات و الإرهاب حتى يجبروهم على الترك و الإخلاء، و لمواجهة هذه الحرب الاستيطانية تقوم المؤسسات المقدسية في الداخل و الخارج بتبني إنشاء و ترميم مشاريع سكنية لأهل القدس إلاَّ أنَّ وتيرة العمل عليها و التوسع فيها بطيئة بسبب ارتفاع التكاليف و قلة الممولين

حكاية العرس الفلسطيني ليست حكاية ألف ليلة و ليلة، و لا حناء و لا شموع و لا أثواب مطرّزة، إنَّها حكاية الحب العظيم الذي يتكبد المشاق و يتحمَّل الفراق و التشريد و التَّضحية، إنَّها اقتران بقضية أراد له الله أن تكون المركز و الفيصل في حياة الأمَّة، و مهرها غال لمن أراد الطلب.
كانت أعراسنا في قاعات مغلقة و أن اتسعت، و كانت يوماً و انقضى و ربَّما بقيت الأعباء المادية تثقل كواهلنا وقلوبنا بعده، و أهل القدس نقلوا ساحة الفرح إلى ساحة الأقصى، ليعلم العالم أنَّ حياتنا و مماتنا ينطلق منه، و هو مربط خيلنا و فرحنا، هم قاموا بدورهم، فأين نحن من أدوارنا أن ندعم صمودهم و زيجاتهم البطولية؟ لعلَّنا بتثبيتهم على أرضنا نحضر ليوم نعقد فيه قِرآن أولادنا و أحفادنا في الأقصى يوم يفرح المؤمنون بنصر الله.

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

لماذا نحن؟ وعلى أيّ شيء نحافظ؟!

مع تجدد حرب الإبادة الجماعية على الفلسطينيين في قطاع غزّة، وبعدما فعل الفلسطينيون في هذا …