يأبى بعض الناس إلاَّ أن يرتقوا بممارسات الحياة التي يشترك فيها جميع البشر من ميلاد و زواج و إنجاب و موت و قضاء غرائز و حاجات طبيعية، فيجعلون لها معنى و هدفاً و غاية و درساً لمن خلفهم ممَّن يتذكرون من أولي الألباب، و هم على هديهم يثبتون أننا أحفاد ذلك التَّاريخ الممتد العريق الذي وضعنا في عين الشمس و فضلنا على سائر الأمم يوم كانت عزتنا للإسلام و به كنا نفاخر الدنيا
في تاريخنا ترملت عصمت الدين خاتون و كانت زوجة العظيم الزنكي نور الدين، فلمَّا نوت الزَّواج مرَّة أخرى كان المهر كبيراً و كانت النيَّة عظيمة و كان العريس صلاح الدين فتوحد بزواجهما ملك الشَّام و مصر، و منهما انطلقت الوجهة نحو تحرير بيت المقدس
ملايين عقود القرآن تتم حول العالم يومياً و قلَّة منها تحفظ في صفحات التاريخ لارتباطها بمعنى عظيم و أناس عظماء وظفوا الخاص من أمورهم و أحوالهم في خدمة العام من أهداف الأمَّة، و ها هم أهلنا في فلسطين يحيون السنة الحميدة بمبادرة من مؤسسة عمارة الأقصى و المقدسات في مشروع بعنوان "اعقد قِرانك في المسجد الأقصى" ليعيدوا إلى الواجهة مفهوم الأسرة المؤمنة التي تنشأ على عين الله من المسجد المبارك على الأرض المباركة، و تفهم دورها في تدعيم ثباته و تربية الأجيال على نصرته و تحريره،
هذا المشروع برمزيته ينقل المسجد الأقصى من دائرة الضيق و الاستهداف إلى دائرة الأمل و الاستشراف بأنَّ الغد الأفضل قادم بإذن الله ما دام هناك أناس يرتبطون به في الحلّ و التّرحال و على كافة الأحوال و يحاولون استبدال أحواله القاتمة بأطياف أكثر سعادة و أزهى منظراً .
هذا المشروع يؤكِّد على أنَّ الأقصى بقدر ما هو معلم مقدَّس مشرّف و أرض مباركة هو أيضاً إنسان مجاهد يحفظ الله به المكان و الزَّمان، و نصرة القدس يجب أن تكون لتثبيت رباط أهلها حتَّى يتمكنوا من حماية المسجد الأقصى من جرذان الأنفاق و مزوّري التاريخ
لقد قام أهلنا في فلسطين بجهدهم بهذه المبادرات التي تذكرنا و تذكرهم بعظم مسؤوليتنا تجاه المسجد الأقصى، إلاَّ أنَّ هذه الخطوات ما هي إلاَّ أول الطريق و العوائق بعدها جمَّة، فالأزواج المقدسييون تحديداً لا يجدون بيوتا تؤويهم ، و قد منعت سلطات الاحتلال المقدسيين من تحسين ظروف سكناهم و ترميم بيوتهم، و جعلت من شبه المستحيل بناء مساكن جديدة لسكان القدس العرب الذين يبلغ تعدادهم بحسب إحصاء الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2007 260 ألف نسمة، و ذلك بفرض الرسوم الباهظة على رخص البناء و التي تتراوح قيمتها بين 25000-30000 ألف $ ، ممَّا يجعل تكلفة الشقة الواحدة كما تذكر دراسة أعدتها مؤسسة القدس الدولية ما بين 110-150 ألف$، و هي مبالغ يستحيل توفيرها في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها المقدسيين، و مساحة هذه البيوت لا تزيد في معظمها عن 110م، و يزيد ثمنها كلما زاد ارتفاع السقف و عدد النوافذ، فالاحتلال يأخذ من المقدسيين ضريبة الشباك و الشمس في محاولة لمنع ضوء الله من الدخول إلى بيوت المقدسيين، و ليس هذا فقط، بل إنَّ الاحتلال يجبر المقدسيين على ترك بيوتهم أو مساكنة المستوطنين في مناطق سلوان و قطنة و رأس العمود و ذلك بتزوير عقود شراء لبيوتهم في عملية احتيال كبيرة يموّلها الملياردير اليهودي موسكوفيتش الذي يمدّ (إسرائيل) بـ 15 مليون $ سنويا لدعم شراء الأراضي و بناء المستوطنات في القدس بالذات، و الأدهى من ذلك أنهم يسكنون حثالة المستوطنين مع العائلات الفلسطينية، و هؤلاء المستوطنين لا يكتفون بسرقة المساكن، و لكنَّهم لا يألون جهداً في تنكيد الحياة على العائلات الفلسطينية بالممارسات غير الأخلاقية و التحرشات و الإرهاب حتى يجبروهم على الترك و الإخلاء، و لمواجهة هذه الحرب الاستيطانية تقوم المؤسسات المقدسية في الداخل و الخارج بتبني إنشاء و ترميم مشاريع سكنية لأهل القدس إلاَّ أنَّ وتيرة العمل عليها و التوسع فيها بطيئة بسبب ارتفاع التكاليف و قلة الممولين
حكاية العرس الفلسطيني ليست حكاية ألف ليلة و ليلة، و لا حناء و لا شموع و لا أثواب مطرّزة، إنَّها حكاية الحب العظيم الذي يتكبد المشاق و يتحمَّل الفراق و التشريد و التَّضحية، إنَّها اقتران بقضية أراد له الله أن تكون المركز و الفيصل في حياة الأمَّة، و مهرها غال لمن أراد الطلب.
كانت أعراسنا في قاعات مغلقة و أن اتسعت، و كانت يوماً و انقضى و ربَّما بقيت الأعباء المادية تثقل كواهلنا وقلوبنا بعده، و أهل القدس نقلوا ساحة الفرح إلى ساحة الأقصى، ليعلم العالم أنَّ حياتنا و مماتنا ينطلق منه، و هو مربط خيلنا و فرحنا، هم قاموا بدورهم، فأين نحن من أدوارنا أن ندعم صمودهم و زيجاتهم البطولية؟ لعلَّنا بتثبيتهم على أرضنا نحضر ليوم نعقد فيه قِرآن أولادنا و أحفادنا في الأقصى يوم يفرح المؤمنون بنصر الله.