وصفه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء بقوله : (الإمام الحافظ الثبت، شيخ الإسلام، ناقد الحديث)، و بقوله : (كان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرِّجال، وحسن التأليف).
إنَّه الإمام أحمد بن علي بن شعيب، الشهير بـ(( النّسائي))، صاحب كتاب ((السنن)) المشهورة بـ(( سنن النّسائي))، التي تعدّ من الكتب الستة التي اصطلح العلماء على تسميتها بذلك، وفي هذه الأسطر ملامح من سيرة هذا الإمام الجليل، وتعريف بكتابه (السنن)..
(الإمام الحافظ الثبت، شيخ الإسلام، ناقد الحديث ... كان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرِّجال، وحسن التأليف) .. الإمام الذهبي
ملامح من حياة النّسائي ..
-هو أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار، أبو عبد الرَّحمن الخراساني النسائي، أصله من نسا (بخراسان)- خرسان مقاطعة كبيرة يقع أغلبها اليوم في جمهورية إيران، وجزء منها أيضًا في أفغانستان، و (( نسا )) مدينة في هذه المقاطعة- حيث ولد فيها سنة 215هـ.
- طلب العلم في صغره، وأخذ العلم عن أكابر العلماء من أمثال الإمام إسحاق بن رَاهَوَيْه، و الإمام عليّ بن حجر، و الإمام قتيبة بن سعيد، وغيرهم..
-جال في طلب العلم في خُراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، ثم استوطن مصر، ورحل الحفَّاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن، ومن طرائف ترجمة الإمام النّسائي بسبب كثرة رحلاته، أنه مُتَرجَم له في كتب متعدّدة من كتب تواريخ البلدان المحلية؛ لأنَّه دخل مدناً كثيرة من بلدان العالم الإسلامي، فلا تكاد تجد تاريخًا من تواريخ البلدان المحلية إلاَّ وقد تُرجم للإمام النسائي فيها، وللمثال، نجدَ له ترجمة في : تاريخ مكة ((العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين)) للإمام الفاسي، و((تاريخ دمشق)) لابن عساكر، و((بغية الطلب في تاريخ حلب)) لابن العديم، و ((تاريخ نيسابور)) للحاكم،و ((النجوم الزاهرة في أعيان مصر والقاهرة)) لابن تغري بردي، وغيرها...
-من مشاهير تلامذته : ابن السني صاحب كتاب ((عمل اليوم والليلة))، وأبو جعفر بن النحاس صاحب كتاب ((الناسخ والمنسوخ))، وأبو جعفر الطحاوي صاحب كتاب (( شرح معاني الآثار وبيان مشكل أحاديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم))، وغيرهم الكثير...
-كان شديداً في نقد الرِّجال، فقد قال الحافظ ابن طاهر: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل، فوثقه، فقلت: قد ضعفه النسائي، فقال: (يا بني! إنَّ لأبي عبد الرَّحمن شرطاً في الرِّجال أشدّ من شرط البخاري ومسلم).
-له من المؤلفات .. (السنن الكبرى) في الحديث، و(المجتبى) وهو السنن الصغرى، من الكتب الستة في الحديث، وله (الضعفاء والمتروكون)، في رجال الحديث، و(خصائص علي) و(مسند علي) و(مسند مالك) وغير ذلك. .
-هاجر إلى مدينة الرَّملة بفلسطين، ودفن ببيت المقدس سنة 303هـ، وقيل:300هـ، وقيل: إنَّه توفي بالحجاز.
((السنن)) .. الصغرى والكبرى
ومن طرائف ترجمة الإمام النّسائي بسبب كثرة رحلاته، أنه مُتَرجَم له في كتب متعدّدة من كتب تواريخ البلدان المحلية؛ لأنَّه دخل مدناً كثيرة من بلدان العالم الإسلامي، فلا تكاد تجد تاريخًا من تواريخ البلدان المحلية إلاَّ وقد تُرجم للإمام النسائي فيها
اشتهر الإمام النّسائي رحمه الله بتأليف كتابين من الكتب التي جمعت الحديث النبوي الشَّريف، وهما: ((السنن الكبرى))، و((السنن الصغرى))، لكنَّ أهل العلم اختلفوا في نسبة الكتابين للإمام النّسائي، ولا بأس أن نعرِّج على هذه المسألة قبل الغوص في الحديث عن الكتابين ، فهو أمر ذو أهمية في بابه؛ فقد اتفق بعض أهل العلم والاختصاص أنَّ الإمام النسائي ألَّف كتاباً في السنن وهو المعروف بـ((السنن الكبرى))، أمَّا السنن الصغرى فهي اختصار للسنن الكبرى قام به تلميذه الإمام ابن السُّني، وخالف هذا القول بعض أهل العلم، فقالوا : إنَّ الكتابين ((السنن الكبرى)) و ((السنن الصغرى)) هما من تأليف الإمام النّسائي، وما الإمام ابن السُّني إلاَّ راوِ من رواة السنن الصغرى، ولعلَّ هذا الرَّأي هو الرَّاجح والله أعلم، وهو الرّأي الذي ذهب إليه ابن الأثير، وابن كثير، والعراقي، والسخاوي، وغيرهم.
ألَّف الإمام النسائي رحمه الله كتابه ((السنن الكبرى)) وضمَّنه الصَّحيح، وغيره، ثمَّ اختصره في كتاب ((السنن الصغرى))، وسمَّاه ((المجتبى))، جمع فيه الصَّحيح عنده، وهو المقصود بما ينسب إلى رواية النسائي من حديث، و((المجتبى)) أقل السنن حديثاً ضعيفاً، ورجلاً مجروحاً ودرجته بعد صحيحي البخاري ومسلم، فهو - من حيث الرِّجال - مقدَّم على ((سنن أبي داود والترمذي))؛ لشدَّة تحرِّي مؤلفه في الرِّجال، قال الحافظ العلاَّمة ابن حجر العسقلاني رحمه الله: (كم من رجل أخرج له أبو داود والتّرمذي تجنَّب النسائي إخراج حديثه، بل تجنَّب إخراج حديث جماعة في ((الصحيحين)).اهـ).
قال الإمام أبو عبد الله بن رشيد : (كتاب النسائي أبدع الكتب المصنَّفة في السنن وأحسنها ترصيفاً، وكأنَّ كتابه بين جامع البخاري ومسلم مع حظ كثير من بيان العلل، وبالجملة فهو أقل الكتب بعد الصَّحيحين حديثاً ضعيفاً ورجلاً مجروحاً). (قواعد التحديث للقاسمي).
قال الحافظ ابن طاهر: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل، فوثقه، فقلت: قد ضعفه النسائي، فقال: (يا بني! إنَّ لأبي عبد الرَّحمن شرطاً في الرِّجال أشدّ من شرط البخاري ومسلم)
السنن الصغرى للإمام النسائي رحمه الله، يقال لها: ((المجتبى)) أي: المختارة من الكبرى، ووردت تسميتها أيضاً بـ((المجتنى))، و((المجتبى)) كتاب عظيم القدر، كثير الأبواب، وتراجم أبوابه تدل على فقه مؤلفه، بل إنَّ منها ما تظهر فيه دقَّةُ الإمام النسائي في استنباط الأحكام من خلال عناوين الأبواب.
بلغ عدد أحاديثه ((5774)) حديثٍ، وأحسن طبعات هذا الكتاب الطبعة التي حقَّقها ورقَّمها ووضع فهارسها مكتب تحقيق التراث الإسلامي - دار المعرفة ببيروت، فإنَّه عند كلِّ حديث يذكر رقمه، وأرقام مواضعه الأخرى عند الإمام النِّسائي، ويذكر تخريج بقية أصحاب الكتب الستة، وأرقام الحديث عندهم.
أمَّا ((السنن الكبرى))، فعدَّة الأحاديث فيها ما يقارب 10770 حديثٍ، على اختلاف طبعات الكتاب.
أولى ثلة من العلماء والباحثين ((سنن النسائي)) الاهتمام والعناية اللازمتين، فقاموا بشرحه ألفاظه وتخريج أحاديثه و دراسة منهجه في جمع ونقد الأحاديث، فنذكر منهم على سبيل المثال: الإمام السيوطي ، والإمام السندي، وغيرهما.
مراجع للاستزادة :
-سير أعلام النبلاء للذَّهبي
-قواعد التَّحديث للشيخ جمال الدين القاسمي
-الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث لابن كثر- محمَّد أحمد شاكر