أكَّد الخبير اليهودي "مناحيم كلاين"؛ المحاضر في العلوم السياسية في جامعة "بار ايلان"، في مقال نشره في صحيفة (هآرتس) العبرية " أنّه في ظل الثورات في العالم العربي وانسداد الأفق أمام الفلسطينيين، وإدراكهم أنَّ الخلاص لن يكون عن طريق الولايات المتحدة الأمريكية، فإنَّ مسألة اندلاع انتفاضة ثالثة لا تنقصها إلاَّ شرارة لإشعالها"، وذكر "آلوف بن" رئيس قسم المراسلين بصحيفة "هآرتس"، أنَّه إذا ما قرَّر الفلسطينيون الخروج في مظاهرات بالآلاف إلى البلدة العتيقة، فإنَّ الكيان الصهيوني لن تتمكن من السيطرة عليهم، ولن يتمكن رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" من وقفهم حتَّى لو ارتكب مذابح على غرار العقيد الليبي معمَّر القذافي، وتأتى تلك التصريحات التي تنم عن فزع ورعب صهيوني، على خلفية المسيرات المليونية التي يخطِّط لها الشبان الفلسطينيون على موقع التواصل الاجتماعي " فيسبوك" يوم 15 مايو 2011 للعودة إلى فلسطين، والتى يراد لها أن تنطلق من 30 نقطة على طول حدود الدول المحيطة بفلسطين، الأردن وسوريا ولبنا ومصر، تلك الدعوات التى تسببت في غلق صفحة الانتفاضة الثالثة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" بعد أن قام أعوان الصَّهاينة في الولايات المتحدة برفع قضية على مؤسس (الفيس بوك) وتهديده بدفع غرامات مالية باهظة ما لم يقم بغلق تلك الصَّفحة، وهو ما حدث بالفعل، وأدَّى لإنشاء آلاف الصَّفحات البديلة، ليتأكَّد للجميع أنَّ زمن الوصاية والتَّضليل قد انتهى، وأنَّ العالم وخاصة العربي والإسلامي قد أصبح يملك من الوعي ومن الوسائل التي تمكِّنه من نصرة الحقوق الفلسطينية المشروع في المقاومة وفي العودة إلى الأراض المغتصبة، وفي تحرير المقدسات من أيدى المحتلين.
إنَّ القوانين والأعراف الدولية تجيز لشعوب الدول المحتلة استخدام الوسائل والآليات كافة التي تتيح لهم استعادة الأراضي المغتصبة، وتحرير الأوطان من مستعمريها
لقد عمد الكيان الصهيوني طيلة العقود الست الماضية إلى تغييب شعوب الأمَّة العربية والإسلامية، وفي القلب منهم الشعب الفلسطيني في الشتات، وطمس الهوية الإسلامية لديهم وتصوير المقاومة المشروعة لهم على أنَّها إرهاب، بحيث لا يفكِّر أحد في العودة أو يطالب بتحرير الأراضي المحتلة، التى تشهد يومياً مجازر بشعة ضد الإنسانية يرتكبها الإجرام الصهيوني، دون أن يتحرّك أحدٌ من المجتمع الدولي لنصرة هذا الشَّعب الأسير والمحاصر، ويحول بين الكيان المغتصب وبين محاولات القضاء عليه، مثلما فعلت الولايات المتحدة في السَّابق مع الهنود الحُمر.
وتمضى الحكومات الصهيونية على اختلاف أطيافها السياسية في تلك المخطَّطات الخبيثة الخاصة بسرقة الأراضي وتدنيس المقدسات، وفي الوقت نفسه، اتهام المقاومة المشروعة بالإرهاب، حتَّى لا تقوى على الاستمرار في مواجهة المحتلين خوفاً من حدَّة الانتقادات الدولية الموجَّهة إليها، وذلك بالرَّغم من أنَّ القوانين والأعراف الدولية تجيز لشعوب الدول المحتلة استخدام الوسائل والآليات كافة التي تتيح لهم استعادة الأراضي المغتصبة، وتحرير الأوطان من مستعمريها، فحسب المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة يشكِّل الاحتلال انتهاكاً لأحكام القانون الدولي.
وتضيف اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 أنَّ هدف عمليات التحرّر الوطني العنيفة ضد الاحتلال هدف مشروع، وأنَّ حقوق حركات التحرَر الوطني في المقاومة مشروعة، وأنشطتها معترف بها من قبل المواثيق الدولية، خاصة ميثاق الأمم المتحدة، الذي يضفي الشرعية والقبول على هذه الأنشطة، ويلزم المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة ومختلف دول العالم مساندة هذه الحركات سياسياً ومعنوياً ومادياً واقتصادياً للحصول على حقها في تقرير المصير والتَّحرّر من الاستعمار وإزالة الاحتلال.
وتؤكِّد تلك الاتفاقيات على أنَّ من حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو الحكم العنصري والهيمنة الأجنبية أن تستخدم كلَّ صور العنف ضد الاحتلال الأجنبي والهيمنة الأجنبية والحكم العنصري وفق الشروط التالية:
أ. أن تقع أعمال العنف هذه داخل الأرض المحتلة بصفة أساسية، ولا تقع خارجها إلاَّ إذا استحال تنفيذها في الدَّاخل.
ب. أن توجّه ضد القوات العسكرية أو شبه العسكرية أو رموز السّلطة أو هيئات أو أشخاص الإدارة المدنية للاحتلال.
ج. ألاَّ توجَّه ضدَّ المدنيين والأبرياء والأطراف الثالثة. والمقصود بالأطراف الثالثة هو ممثلو الدول الأجنبية أو المنظمات الدولية لدى القوة أو الدولة القائمة بالاحتلال أو المتوسطين فى النزاع أو السَّاعين لتسوية وإنهاء وضع الاحتلال.
ووفقا لهذه الشروط، فإنَّ أعمال المقاومة في الأرض المحتلة هي أعمال مشروعة مهما ترتَّب عليها من نتائج، إذ أنها تقع ضد المحتل الصهيوني، وأنَّ محاولات وصفها بالإرهاب والعنصرية، ما هي إلاَّ دعاوى زائفة، الهدف منها تشويه المقاومة وقلب الحقائق، وإتاحة الفرصة للعدو الصهيوني للهروب من جرائمه ومخالفاته الصَّريحة للأعراف والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار المشروع تأتي تحرّكات الشباب العربي والفلسطيني الواعي، لتدحض تلك المخطَّطات، ولتؤكد يقظة الشباب العربي وعلى رأسه الشباب الفلسطيني، وعلى أنَّ تلك القضية لا تخص شباب دولة ولا فصيلاً أو حركة بعينها، بل تخص العالم العربي والإسلامي بأكمله، وذلك حسب نصوص القرآن الكريم، حيث قال تعالي : {سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} سورة الإسراء (1)، وذلك في إشارة إلى أهمية تلك الأرض، وأنها لا تخص الفلسطينيين فحسب، بل تخص العالم العربي والإسلامي جميعاً مثلها في ذلك مثل مكَّة والمدينة، وما يؤكِّد ذلك حديث النَّبي صلَّى الله عليه وسلّم الموجّه إلى الأمَّة جمعاء من المشرق إلى المغرب، ((لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)).
يضاف إلى ذلك أنَّ لفلسطين مكانة خاصة في نفوس العرب والمسلمين جميعاً، باعتبار أنَّها أرض الأنبياء، فقد عاش فيها سيّدنا آدم أبو الأنبياء، وسيّدنا نوح، وهاجر إليها سيّدنا إبراهيم ، وعاش أنبياء الله إسحاق ويعقوب ويوسف فيها، وأمر الله سيّدنا موسى عليه السَّلام أن يسير ببني إسرائيل من مصر إلى بيت المقدس لكنَّه توفي شرقي الأردن قبل أن يدخلها، ودخل فلسطين سيّدنا يوشع بن نون عليه السَّلام ببني إسرائيل، وكان سيّدنا داوود عليه السَّلام أول نبي يدخل بيت المقدس ويتخذ المسجد الأقصى مقرّاً له، ومن بعده قام سيِّدنا سليمان ببناء بيت المقدس، وكانت نبوة سيّدنا عيسى عليه السَّلام في بيت المقدس وولادته في بيت لحم بفلسطين.
كلُّ هذا أوجد لدى الشباب العربي روحاً غير مسبوقة من الثّقة بالنفس، دفعته لاستغلالها لتحقيق أحلام الفلسطينيين بالعودة إلى فلسطين التاريخية بالطرق السّلمية المشروعة، ووفق ما يضمنه القانون الدولي وقررات الأمم المتحدلقد أدرك الفلسطينيون أنَّ الخلاص لن يأتي عن طريق الولايات المتحدة الأمريكية، ولا عن طريق مفاوضات السلام العبثية، وإنما سيأتي الخلاص عن طريق التحرك الإيجابي الفعّال للضغط على العدو الصهويني، كي يقدّم تنازلات حقيقية للشعب الفلسطيني
لقد أدرك الفلسطينيون أنَّ الخلاص لن يأتي عن طريق الولايات المتحدة، التي استخدمت حقَّ النقض" الفيتو " عشرات المرَّات ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وآخرها قراره ضد إدانة الاستيطان في مجلس الأمن، ولا عن طريق مفاوضات السَّلام العبثية التي يدخل فيها العدو الصهيوني، بينما تواصل حكومته القيام بتوسيع المستوطنات في القدس وفي سائر أنحاء الضفة الغربية، وإنَّما سيأتي الخلاص عن طريق التحرّك الإيجابي الفعَّال للضَّغط على العدو الصهيوني كي يقدِّم تنازلات حقيقية للشَّعب الفلسطيني المحاصر في الضّفة والقطاع، والذي بات يعاني أوضاعاً مأساوية، بعد أن وصلت معدلات البطالة هناك إلى نسب كارثية، فحسب مركز الإحصاء الفلسطيني بلغت نسبة البطالة في غزة 37.4% و 23.2% في الضفة الغربية.
فمنذ أن احتل الصَّهاينة الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونحن ندور في حلقة مفرغة من مفاوضات السَّلام التي لم تنته حتى اليوم؛ والتي لا نخرج منها سوى بمزيد من الخسائر المادية والمعنوية، وكأنَّ الهدف من تلك المفاوضات هو استهلاك الوقت حتَّى تنسى الأجيال القادمة القضية، لذلك فإنَّه يتعيَّن على الجميع دولاً وشعوباً، رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً وأطفالاً أن يعلموا أنَّ هذه هي القضية الأم، وأنَّ كلَّ ما يثار حولنا من أزمات هي فروع للقضية، وأننا سنظل نبتعد وننشغل في قضايا قد تكون كبرى بالنسبة لبعض الدول، مثلما نشهد الآن من ثورات خلاَّقة في العديد من الدول العربية، إلاَّ أننا سنعود في النهاية لنجد أنفسنا مرَّة أخرى أمام القضية الأم( القضية الفلسطينية)، لذا لا بدَّ من تعليم الأجيال الناشئة حقيقة تلك القضية، بحيث يعجز الإعلام الصهيوني مهما أوتي من أدوات عن تضليلهم، والقيام بالعديد من الفعاليات الثقافية والاجتماعية التي تجعل تلك القضية حيّة في قلوب الشعوب العربية والإسلامية، وإعداد النشء للمرحلة التي نبدأ فيها استرجاع الأرض التي اغتصبها الصَّهاينة دون وجه حق.