القرآن الكريم دستور الأمَّة، فإليه الحكم والتحاكم ومنه الاستمداد والتشريع ، وما من صغيرة أو كبيرة إلاَّ ونبؤها في هذا الكتاب العزيز، وهو الضياء الذي تحمله الأمَّة لسائر الناس لتؤدِّي رسالتها ، كخير أمَّة أخرجت للناس.
بعد وفاة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، جاءت حروب الرِّدة، واستبسل الصَّادقون المؤمنون على حديقة الموت يريدون مسيلمة الكذَّاب وأتباعه، يتقدّمهم حملة وحفظة كتاب الله بقلوبهم المفعمة يرجون الشّهادة واللّحاق بحبيبهم محمَّد صلَّى الله عليه و سلَّم، وبعد النَّصر المؤزَّر تنبّه الصحابة وفي مقدمتهم عمرُ بن الخطاب إلى استشهاد عدد من الصَّحابة حفظة القرآن الكريم ، وتساءل :-أيموت الحفظة والقرآن في معظمه محفوظ في صدورهم؟ فتوجه رضي الله عنه إلى خليفة المسلمين أبي بكر، وأشار عليه بجمع القرآن، ومنها أوكل الخليفة الأمر إلى زيد بن الحارث وجمعٍ من الصحابة.
وبعدما انتهى من جمع القرآن في كتاب واحد، رأى صاحب رسول الله وخليفته أبو بكر أن يضع المصحف عند سيّدة من سيّدات الدنيا والآخرة.
كان لها الشرف بأن تكون حارسة القرآن الكريم في عصر زخر بالنجوم في سماء الأمَّة الإسلامية ، تلك التي أودعت عندها الوديعة الغالية فحفظتها بكل أمانة، ورعاها الصَّحابة والتابعون إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ذلك الذكر الجميل الذي تذكر فيه كلما تذاكر المسلمون جمع المصحف في مرحلتيه ( في عهد أبو بكر وعثمان بن عفان ).
إنَّها أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية القرشية التي نزل فيها قرآن يتلى إلى قيام السَّاعة يضع أحكاماً ويقرّ قواعد تضبط حركة الحياة وترشد الناس إلى ما فيه خير لهم في معاملاتهم الخاصة والعامة.
زوجة النبي التي قال جبريل عنها للنبي عليه السّلام : ( إنَّها صوَّامة قوَّامة، وإنَّها زوجتك في الجنة).كان لها الشرف بأن تكون حارسة القرآن الكريم في عصر زخر بالنجوم في سماء الأمَّة الإسلامية ، تلك التي أودعت عندها الوديعة الغالية فحفظتها بكل أمانة
ولدت حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي بخمس سنين، أمها زينب بنت مضعون، تزوجت حفصة رضي الله عنها من خنيس بن حذافة السهمي ، وقد دخلا الإسلام معاً، وهاجر خنيس رضي الله عنه الهجرتين وشهد بدراً، وهناك توفي متأثراً بجروحه التي أصيب بها في بدر.
وبعد وفاة زوجها ، تألَّم أبوها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنته الشابة ذات العشرين عاماً ، فبدا له أن يختار لها زوجاً، ووقع اختياره على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- فسعى عمر إلى أبي بكر و عرض عليه أن يتزوج ابنته، ولكنَّ أبا بكر أمسك لا يجيب، ثمَّ ذهب إلى عثمان بن عفان- رضي الله عنه- و كانت زوجته السيّدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قد توفيت فاستمهل عثمان عمر رضي الله عنهما أياماً، ثم أوضح له أنَّه لا يريد الزواج الآن، فحزن عمر- رضي الله عنه-.
فذهب إلى رسول الله- صلَّى الله عليه و سلَّم- يشكو صاحبيه، فتبسم رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم، وقال له : يتزوج حفصة من هو خير من عثمان و يتزوّج عثمان من هي خير من حفصة، و فهم عمر رضي الله عنه ما أراد رسول الله -صلَّى الله عليه و سلَّم- و صافح النبي متهللاً و خرج مسرعاً ليزف إلى ابنته الخبر العظيم، لقد خطبها رسول الله صلَّى الله عليه و سلَّم، و في الطريق قابل الصديق رضي الله عنه و عرف الصديق على الفور سرَّ السعادة التي على وجه عمر، فقال له : لا تجد علي يا عمر فان رسول الله ذكر حفصة فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله -صلى الله عليه و سلم -و لو تركها لتزوجتها، أما عثمان رضي الله عنه فقد تزوَّج من أم كلثوم بنت رسول الله- صلى الله عليه و سلم -.
كانت أم المؤمنين حفصة إحدى أهم الفقيهات في العصر الأول في عصر الإسلام وكثيراً ما كانت تسأل فتجيب رضي الله عنها وأرضاها ، وممَّا أعانها على توفر العلم وجودها في المحضن التربوي بين زوجات النبي؛ حيث اتصال السماء بالأرض ونزول الوحي على الرَّسول الكريم، فقد روت أحاديث كثيرة قيل : إنها بلغت ستين حديثاً.
وممَّا يروى عن فصاحتها رضي الله عنها ما قالته لأبيها الفاروق لما طعنه المجوسي لعنه الله : يا أبتاه، ما يحزنك وفادتك على ربّ رحيم و لا تبعة لأحد عندك، و معي لك بشارة لا أذيع السر مرتين، و نعم الشفيع لك العدل لم تخف على الله عزَّ و جل خشنة عيشتك و عفاف نهمتك و أخذك بأكظام المشركين و المفسدين.
قامت السيّدة حفصة رضي الله عنها عاكفة على العبادة قوَّامة صوّامة إلى أن توفيت في عهد معاوية بن أبي سفيان، و شيَّعتها المدينة إلى مثواها الأخير بالبقيع مع أمهات المؤمنين، رضي الله عن أم المؤمنين حفصة التي زكتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها : إنَّها ابنة أبيها، و كلنا يعرف من أبوها.
جمعنا الله وإياكن وأمهات المؤمنين في جناته، إنَّه نعم المولى ونعم المجيب.