"كانت زوجتي تنشر الغسيل على سطح المنزل فخرج لها المستوطن الذي أسكنته سلطات الإحتلال قصرا بجانب بيتنا عاريا و أخذ يقوم بحركات جنسية ،و أخذت زوجتي تصرخ مفزوعة فتجمعنا حولها و لما أردنا أن نهجم عليه أطلق الرصاص في الهواء ثم وجهه فوق رؤوسنا فنزلنا عن السطح، ليس هذا فقط فغالبا ما نصلي الفجر و بجانبنا و بقرب مداخل بيوتنا تصدح الموسيقى و يشرب الخمر و تترك الزجاجات على أبوابنا و تكتب العبارات المقذعة على حيطان بيوتنا و ترمى علينا القاذورات، و يضرب أولادنا بمجرد ما يخرجون من باب البيت، و إذا خرب أي شيء في البيت كالحمام و المواسير أو البلاط لا نستطيع إصلاحها بسبب الضرائب و التكاليف التي يفرضها علينا الإحتلال، و مع ذلك نحن صامدون و لو أصبحت بيوتنا في القدس حصيرة في الشمس بلا ماء و لا غذاء"
هذه شهادة سمعتها من أحد رجال القدس يتحدث فيها عن المعاناة الكبيرة التي يعيشها أهل القدس فوق الاحتلال بدون أدنى مقومات العيش المقبول!
قد يحتمل المقدسييون شظف العيش و العراك اليومي مع العدو و قلة الموارد الحياتية ما دام هناك باب يقفل عليهم و يستر كل ما نقص في حياتهم، و لكن عندما ينعدم الأمن و السكن تصبح الحياة جحيما يضاف الى جحيم الاحتلال
بالأمس كانت ذكرى النكبة التي أصبح لإحيائها في عالم الثورات و ربيع العرب معنا مختلفا، فكان الأمل بالتحرير أكبر و الإصرار على العودة أشد عزما الا أن هذا النشاط النضالي خارج فلسطين و قلبها القدس يضل أحيانا رمزيا و قاصرا عن إحداث التأثير المطلوب في أرض المعركة في فلسطين و دعم المجاهدين على خط التماس الأول مع العدو الصهيوني و تعزيز صمودهم، و بقدر ما هو مهم الحشد و العمل على أطراف و أكناف فلسطين بقدر ما هو أهم أن يترجم العمل الى واقع على أرضها، و من هنا تأتي أهمية المشاريع التي تستثمر في دعم صمود أهلنا في فلسطين ،و هي المعركة الأطول مدة و أبقى أثرا
و كان من المشاريع المهمة التي بادرت إليها نقابة المهندسين الأردنيين -لجنة مهندسون من أجل القدس – في مثل هذا الوقت من كل عام حملة إعمار البيوت المقدسية التي يشكل أهلها رأس حربة في الدفاع عن المسجد الأقصى في وجه المؤامرات الصهيونية و الاعتداءات المتكررة، و هم يعانون الأمرين من وضع مساكنهم حيث أن 20.5% من بيوت القدس في البلدة القديمة لا تصلح للسكن الآدمي و تحتاج لترميم جذري و 49.% تحتاج الى ترميمات داخلية و خارجية، كما أن هناك أهدافا أخرى للمشروع و منها الحفاظ على المعالم التاريخية و الحضارية للمدينة المقدسة و الحفاظ على هويتها الإسلامية حيث أن كثيرا من المباني يعود الى العصور المملوكية و الأيوبية و العثمانية ،و هذا الهدف يكتسب أهمية عظمى في ظل سياسات التهويد المسعورة التي تخضع لها مدينة القدس لتغيير أسماء شوارعها و مبانيها ضمن خطة تمتد الى عام 2020 حيث ينفق الاسرائيلييون سنويا مليار و 19 مليون من أجل التهويد و بناء المستوطنات في القدس بالذات من خلال عشر جمعيات كبيرة تعمل في مجال الاستيطان و التهويد، كما و يهدف مشروع الإعمار الى توفير منازل للعائدين الى البلدة القديمة بعد بناء جدار الفصل العنصري
و لأن العدو الصهيوني يعي أهمية هذه المشاريع في تدعيم الوجود الفلسطيني في القدس فإن بلدية الاحتلال تراقب أعال الترميم و تحاول إعاقتها بمنع مواد البناء من الدخول الا بأوقات و شروط معينة، و منع الأيدي العاملة من خارج القدس من العمل، و مع ذلك فقد تم بحمد الله إنجاز عدة مشاريع إعمار و منها مشروع ترميم وتأهيل وقف نسيبة الدجاني و البيت الذي يعود تاريخه الى العهد العثماني يقع على يمين الطريق المؤدي لباب الملك فيصل و يفصله عن حدود المسجد الأقصى المبارك مسافة أمتار قليلة، كما و تم ترميم عدة مساكن عند باب حطة و منطقة الطور، و مازال هناك الكثير من المنازل المهددة في الإنتظار
نملك كل الأسباب و المحفزات الدينية و التاريخية و الواقعية لدعم المشروع و اعتباره جزءا من جهادنا بالمال المقدم على النفس، و أن نخلف المجاهدين في أهليهم و لو بالقليل، أو نكون كعثمان بن عفان الذي اشترى الجنة بماله مرات
نستطيع أن نغير تاريخ النكبة و نكتب صفحة جديدة من الصمود و الإعداد، و نستطيع أن نبقى منكوبين نجتر خيبتنا و هزيمتنا و نخلص فلسطين في علم و حطة و أغنية و مسيرة
هي القدس و أهلها صامدون يجاهدون و يعملون و ينتظرون فإن عملنا معهم فلنا بإذن الله أجر الرباط و الجهاد و هو أقل العذر بين يدي الله و تثبيت لوجودنا الغائب و أقدامنا المغتربة في أرضنا الى حين تحرير و رجعة ، و إن تخلفنا و نكصنا على أعقابنا فإن للبيت دائما رب يحميه، و سيأتي الإسلام يوم القيامة ليقول هذا نصرني و هذا خذلني
فهل سنكون ممن يأخذون بيمينهم صحائف النصرة ،أم يتلقون بشمالهم كتب الخذلان؟؟