نعيش في هذه الأيام الذكرى الثالثة والستين للنكبة الكبرى ، التي وقعت على أرضنا المقدسة ، فقبل ثلاث وستين تمكن المحتلون المغتصبون اليهود من اغتصاب جزء كبير من أرض فلسطين ، وأعلنوا إنشاء كيانهم الباطل على ذلك الجزء المغتصب ، وسارعت دول العالم الاستعمارية الى الاعتراف بذلك الكيان ..، واعتاد أهلنا الفلسطينيون على إحياء ذكرى النكبة في الخامس عشر من أيار من كل عام ، وإقامة "فعاليات" مختلفة ، تُنشط الذاكرة الفلسطينية في الداخل والشتات ، حتى لا ينسى الأبناء والأحفاد هذه القضية الحية ..
وأحب في ذكرى النكبة لهذا العام أن أُذَّكر بمجموعة من الحقائق اليقينية القاطعة ، وأدعو القراء الكرام إلى تذكرها والتذكير بها ، وإبقائها حية حاضرة ، لتكون عاملاً أساسياً في الإسراع في حل قضيتنا الأولى ، وإزالة نكبتنا الكبرى ..
1. فلسطين قلب العالم العربي والإسلامي ، وأشرف وأفضل الأماكن في العالم ، بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة ، من وجهة النظر الإسلامية الصائبة ، وهي الأرض المباركة ، التي باركها الله وبارك من فيها وما فيها ، ومن حولها وما حولها حتى قيام الساعة .
2. القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى عند العرب والمسلمين ، لا يجوز أن تقدم عليها أية قضية أخرى ، إقليمية أو عنصرية ، محلية أو داخلية أو خارجية ، لأنه لن يستقر بلد عربي ولن يأمن ولن يتقدم ، طالما أن فلسطين محتلة ، ونكبتها متواصلة. وعلى الحركة الإسلامية على وجه الخصوص أن تجعل القضية الفلسطينية قضيتها المركزية الأولى ، وعلى رأس اهتماماتها ، وفي مقدمة أولوياتها ، وتَقَدُّم ونجاح هذه الحركة مرهون بمستوى نظرتها إلى القضية الفلسطينية واهتمامها بها ..
3. يجب التعامل مع القضية الفلسطينية من منطلق إسلامي إيماني قرآني ، ويجب إدخال القرآن والإسلام المعركة مع اليهود ، فالقضية الفلسطينية قضية إسلامية في المقام الأول ، والانطلاق إليها من المقررات الإسلامية ، المتمثلة في آيات القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحقائق الإسلام الهادية . وهي قضية كل مسلم في العالم . واستصحاب مقررات الكتاب والسنة في التعامل مع هذه القضية كفيل بالنجاح فيها .
4. اليهود أشد عداوة لنا ، نحن أهل فلسطين ، ولكل عربي مخلص ، ومسلم صادق ، وهذه حقيقة قرآنية قاطعة ، جزم بها القرآن في قوله تعالى : "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى .." {المائدة : 82} ولم تتوقف عداوتهم الشديدة للمسلمين عبر قرون التاريخ الإسلامي ، وقد ازدادت عداوتهم حدة وشدة في هذا القرن ، الذي توجهوا فيه لإنشاء كيانهم الباطل على أرض فلسطين .. وهم الذين يقودون ويوجهون العالم الآن في حربنا وغزونا ومعاداتنا ..
5. صراعنا مع اليهود صراع طويل ، ممتد عبر الزمان الماضي ، فهو لم يبدأ منذ القرن العشرين ، عند وعد "بلفور" ، أو قبله بقليل ، أو بعده ، أو عند النكبة عام 1948 ، أو بعدها . وإنما بدأ منذ بعثة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، قبل أكثر من خمسة عشر قرناً ، وهو صراع بين الحق الإسلامي والباطل اليهودي ، وصراع بين رسالة الهدى ورسالة الضلال ، وصراع بين العباد الربانيين المسلمين ، وبين الشياطين المفسدين المغتصبين .
وميدان هذا الصراع هو أرض فلسطين المقدسة المباركة وما حولها ، ففلسطين ليست سبب عداوتنا لهم وعداوتهم لنا ، إنما هي الميدان الساخن لهذه العداوة .
6. القرآن خير من تكلم عن اليهود ، وبين جرائمهم وإفسادهم، وفضح انحرافهم وسوء أخلاقهم ، وعرفنا على شخصيتهم المعقدة ، ومخططاتهم التوسيعية ..وعلى المسلمين المواجهين للهيمنة اليهودية العودة إلى القرآن الكريم ، والوقوف طويلاً أمام آياته التي تحدثت عن اليهود وفضحتهم ، ليعرفوا كيف يتعاملون مع اليهود ، وكيف يواجهونهم وينتصرون عليهم .
7. ينطلق اليهود من منطلقات دينية محرفة في نظرتهم إلى فلسطين ، باعتبارها "أرض الميعاد" ، وهم ينشرون على العالم أكاذيب "دينية" ، يزعمون فيها أن الله أعطاها لآبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام . وهم كاذبون في هذه المزاعم ، فلم يعط الله أرض فلسطين لأبناء إبراهيم عليه السلام .. كما أنهم يكذبون في حديثهم عن هيكل سليمان عليه السلام ، وفي زعمهم أن سليمان عليه السلام بنى "هيكلاً" ليقيم فيه الرب (!!) عندما ينزل على الأرض ليقاتل أعداء اليهود !!.
فسليمان عليه السلام "إسرائيلي" نسباً ، لكنه "مسلم" رسالة ومنهجاً وديناً ، وكان نبياً ملكاً عند بني اسرائيل ، وقد حكمهم بالإسلام وليس باليهودية ، وكان حنيفاً مسلماً ولم يكن يهودياً ، وأنشأ مملكة إسلامية وليس مملكة يهودية ، وجدد بناء المسجد الاقصى لعبادة الله ، ولم يبن "هيكل سليمان" المزعوم .
8. لا حَقَّ لليهود على أرض فلسطين ، لا دينياً ولا تاريخياً ، ولا أخلاقياً ، وإقامتهم السابقة على الأرض المقدسة فترة قصيرة من الزمن في عمر الأمم لم تعطهم حق التملك الأبدي للأرض المقدسة وما حولها ، منذ زمن سليمان عليه السلام وحتى قيام الساعة .
ولم يعطهم الله الأرض المقدسة في الماضي لأنهم إسرائيليون وأبناء إبراهيم عليه السلام ، وإنما أعطاهم إياها لأنهم كانوا مؤمنين ، وسط أقوام حولهم كافرين .. ولما كفروا بعد ذلك وطغوا وبغوا ، أوقع الله بهم لعنته وعقابه ، وشتتهم في الأرض ، وحرمهم من الأرض المقدسة ، لأن هذه الأرض لله ، يورثها من يشاء من عباده المؤمنين ، وأكد هذه الحقيقة في "الزبور" الذي أنزله الله على نبيهم داود عليه السلام . قال تعالى : "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون .." {الأنبياء : 105}.
9. اليهود محتلون مغتصبون ، ومفسدون مربون ، وهم الذين بدءوا بالعدوان علينا بمهاجمتنا وغزونا واحتلال بلادنا ، ونحن مأمورون بجهادهم ومواجهتهم ، والصلة بيننا وبينهم هي الجهاد والمواجهة ، وليس السلام والمسالمة ، لإزالة كيانهم الباطل ، وإنهاء عدوانهم وإفسادهم ، منطلقين في ذلك من آيات القرآن الكريم . منها قوله تعالى : "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ..." {البقرة : 190-191}
والتقادم بمرور السنوات _التي زادت على الستين سنة_ لا يلغي حقنا في أرضنا ، ولا يمنح اليهود حقاً فيها ، ولا يضير كونهم محتلين مغتصبين ، يجب إزالة احتلالهم واغتصابهم .
10. فلسطين كلها أرض إسلامية ، موقوفة على الإسلام والمسلمين ، ولذلك لا يجوز التفاوض عليها ، ويحرم التنازل عن جزء منها لليهود ، مهما صغرت مساحته ، والواجب تحرير كامل التراب الفلسطيني من العدوان اليهودي ، والواجب عودة أهل فلسطين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم المحتلة عام 67 ، وعام 48 ، وإجلاء اليهود عن أي شبر منها .
11. الواجب إبقاء قضية فلسطين حية باقية ، تسكن في كيان كل واحد منا ، وتعيش في وجدانه وتفكيره .. ولا يجوز نسيانها ، أو تجاهل الحقائق المتعلقة بها _ومنها هذه الحقيقة المعروضة هنا_ والواجب استمرار الدراسات والأعمال والمظاهر والفعاليات ، في كل مكان في العالم العربي والإسلامي ، اتي تُبقي حياة وحيوية القضية ، في كيان الأجيال الجديدة والقادمة ، لتكون أكثر تصميماً على تحرير كامل التراب الفلسطيني من أجيال الآباء والأجداد .
إننا نراهن على استمرار حياة وحيوية قضيتنا الفلسطينية عند الأجيال القادمة ، حتى تحرر فلسطين كلها ، وهذا أبلغ رد على كلام بن غوريون عندما قال : دعوا الفلسطينين ، فإن هذا الجيل منهم سيموت ، وينسى أبناؤهم فلسطين