شهيدٌ في القدس.. 10 شهداء في مارون الرأس اللبنانية.. مجدل شمس السُّورية تخضب بدماء خمسةٍ من أبنائها راية الثَّورة ضد الظُّلم والاحتلال.. 120 مصابًا في مظاهرات الشَّعب المصري ضد وجود الصَّهاينة في مصر أمام سفارتهم في الجيزة.. عشرات الآلاف يتوافدون على سيناء المصريَّة لدعم أهل غزة ومشاركة فلسطين في ثورتهم..
بدأت الانتفاضة الفلسطينيَّة الثَّالثة!!.. ولكنَّها هذه المرة مختلفةً عن المرَّتَيْن السَّابقتَيْن؛ حيث الانتفاضة الفلسطينيَّة هذه المرة تتفاعل بروحٍ عربيَّةٍ وشعبيَّةٍ لا يمكن معها إلا والتساؤل.. هل حقًّا حانت ساعة إسرائيل؟!..
فبينما تمر ذكرى نكبة ضياع فلسطين، يتطلَّع الشَّعبُ الفلسطينيُّ إلى ثورته الخاصَّة، وانتفاضته الثَّالثة ضد الاحتلال الصهيوني الذي سلب أرضه وشرّده منها وقتل النَّاس، ودمَّر الشَّجر والحجر، متطلعين إلى دعم الشُّعوب العربيَّة الثَّائرة لهم في قضيَّتِهم العادلة.
العواصم تتحرك
وبالفعل بدأت الكثير من العواصم والحواضر العربيَّة تشهد مظاهراتٍ مليونيَّةً تدعم الشَّعب الفلسطينيَّ وخروج قوافل الإغاثة المتوجهة إلى قطاع غزة، مع تزايد الدعوات المطالِبة بحق العودة وتحرير الدِّيار المُقدَّسة.
وتطالب الشُّعوب حكوماتها بأخذ المواقف الإيجابيَّة البنَّاءة إزاء القضيَّة الفلسطينيَّة، ومساعدة الفلسطينيين في مواجهة المشروع الصُّهيوني الذي يسعى إلى المزيد من الاقتلاع للشَّعب الفلسطيني من أرضه، وتشريده في المنافي البعيدة، وإحلال المهاجرين اليهود القادمين من كلِّ حَدب وصَوْبٍ محلَّه، على أنقاض المدن والقرى الفلسطينيَّة التي تعرض أصحابها للطرد والاقتلاع.
ولذلك، فإنَّ إحياء ذكرى النكبة هذا العام اختلفت عما كانت عليه في السنوات الماضية؛ فاليوم أبناء الشعب الفلسطيني لا يقومون بإحيائها بمجرّد رفع شعارات أو ترديد هتافات؛ ولكنّ الديار الفلسطينية تستعد الآن من أجل إشعال انتفاضة ثالثة، ليست فلسطينية هذه المرّة؛ وإنما عربية، وقد تكون إسلاميَّةً أيضًا، يستعيد من خلالها الفلسطينيُّون أرضهم ووطنهم المسلوب.
ويشمل الحراك الفلسطيني هذه المرّة دعوات عبر المواقع الالكترونيَّة، وبخاصة عبر موقع التفاعل الاجتماعيِّ المعروف "الفيس بوك"، والذي كان له دورٌ كبيرٌ في إنجاح الثَّورات العربيَّة، وها هي الدَّعوات اليوم تتكرّر لانتفاضات غضبٍ، ولكن هذه المرة ليس على الأنظمة العربيَّة؛ وإنَّما بثورة نضالٍ حقيقيَّةٍ ضد العدو الصُّهيونيِّ الغاصب لاستعادة حقوق الشعب الفلسطينيِّ.
إسرائيل خائفةٌ!!
الكيان الصُّهيونيُّ في المقابل خائفٌ؛ بل مرعوب، وهو ما يتَّضح في تصريحات ومواقف قادته العسكريِّين والسياسيين، وأبرز دليلٍ على ذلك ما نقله التليفزيون الصُّهيونيُّ عن قادة عسكريِّين صهاينة من أنَّ جيش الاحتلال سوف يقوم بإدخال الكثير من التَّغييرات في عقيدته العسكريَّة، بحيث يستعد لإمكانيَّة أنْ يضطر الكيان الصهيونيِّ لخوض مواجهةٍ عسكريَّةٍ شاملةٍ مع عددٍ مِن الدِّول العربيَّة.. وكأننا عدنا إلى أجواء الـ67!!..
التليفزيون الصهيونيُّ قال: إنَّ هيئة أركان جيش الاحتلال بدأت سلسلةٍ من الإعدادات من أجل وضع خططٍ للسَّنوات الخمس المقبلة، وعلى رأسها مواجهة تداعيات ثورات التَّحوُّل الديمقراطيِّ في العالم العربي.. وكأنهم يدينون أعوانهم السَّابقين في حكوماتنا وأنظمتنا؛ حيث يقولون بصراحةٍ هكذا إنَّ هؤلاء البائدين كانوا هم أكبر داعمين لأمن الكيان الصُّهيونيِّ..!!
"الجيروزاليم بوست" قالت ذلك فعلاً؛ حيث ذكرت في عددها الصَّادر في الخامس عشر من مايو، إنَّ حكومة بنيامين نيتانياهو "بذلت جهودًا كبيرةً" من أجل منع سقوط نظام الرَّئيس المصريِّ المخلوع حسني مبارك!!..
أمَّا الجنرال أبيعام زيلع، والذي خطط وأشرف على الهجوم الذي دمر المفاعل الذري العراقي "أوزيراك" أو "تموز" في يونيو مِن العام 1981م، فقد قال في مقابلةٍ مع القناة الأولى في التلفزيون الصُّهيونيِّ، إنَّه يتوجَّب على صناع القرار في تل أبيب بذل "جهودٍ جبَّارةٍ" لإدراك مغزى ما حدث في العالم العربيِّ، والاستعداد للسيناريوهات الأسوأ.
كما إنَّ إسرائيل أصبحَتْ مهددةً ومعزولةً، ففي دراسةٍ أكاديميَّةٍ جديدةٍ صدرَت قبل أيَّامٍ عن مركز الدراسات الإستراتيجيَّة في زيورخ؛ فإنَّ التَّحوُّلات الكبيرة القائمة في العالم العربي أعطت الصِّراع العربيِّ- الإسرائيليِّ حركةً جديدةً أدت إلى زيادة عُزلة الدَّولة العبريَّة، ووضعَها تحت ضغطٍ متزايدٍ.
وقالت الدِّراسة: إنَّ اتفاق المصالحة الفلسطينيِّ الأخير الذي رعته القاهرة بين حركتَيْ حماس وفتح، "سيكسب مساعي الفلسطينيين ثِقَلاً متزايدًا لنيل الاعتراف بدولتهم المستقلَّة، وسيضع سياسة كلٍّ مِن الاتِّحاد الأوروبيِّ والولايات المتحدة تجاه هذا الصراع أمام منحىً جديدٍ".
كما تناولت الدراسة تأثيرات التَّحوُّلات القائمة في مصر على واقع إسرائيل الإقليميِّ، وقالت إنَّها جَعَلَتْ المحيط الإستراتيجيَّ لإسرائيل "غير مناسبٍ"، وخصوصًا مع استعادة مصر لدورها الرِّياديِّ في المنطقة، واحتمالات تراجع دَور الولايات المتحدة كمحرِّكٍ للحياة السِّياسيَّة في العديد مِن الدِّول العربيَّة.
كما يتزامن ذلك مع فشل جهود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبيِّ في إقناع إسرائيل بوقف مشاريع الاستيطان في الضِّفَّة الغربيَّة، وخصوصًا في القُدس الشَّرقيَّة، كتمهيدٍ للعودة إلى محادثات التَّسوية مع الفلسطينيِّين، وهو ما يزيد من صعوبة إستعادة المفاوضات في ظل تلك الأوضاع القائمة.
وفي الأخير؛ فإنَّ الكيان الصهيوني في الوقت الرَّاهن خائفةٌ.. بلا شك هي تشعر دائمًا بالخوف، حتى لو كانت مدرعةً حتى الأسنان بالأسلحة الحديثة، التقليديَّة منها وغير التَّقليديَّة، ولكن خوف إسرائيل هذه المرة، مع حلول الذِّكرى الثَّالثة والسِّتِّين لنكبة ضياع فلسطين في العام 1948م، في حقيقة الأمر يكاد أنْ يصل إلى درجة المرض، في ظلِّ تزايد الحِراك الشَّعبيِّ الرَّامي إلى إنهاء الوجود الصُّهيونيِّ في فلسطيننا، وهو ما سيدفع الكيان الصهيوني بكلِّ تأكيدٍ نحو المزيد من التَّطرُّف الدينيِّ والسِّياسيِّ.