موعد مع عائشة- بقلم:د.ديمة طهبوب

الرئيسية » حصاد الفكر » موعد مع عائشة- بقلم:د.ديمة طهبوب

* وقعت في الفخ
بدافع الفضول، أو بدافع مشاركة الآخرين، أو الأحرى بسبب الغفلة، أو حتى بلا مبرر مقنع ألتمسه لنفسي، وجدتني أتابع احدى المسلسلات التركية و أتفاعل مع القصة و الأحداث و أتطلع لمعرفة النهاية!! مرة جلست فيها مع أقاربي أحدثت مرات يشابه الإدمان..نسأل الله العافية
كان سهلا عندما غزتنا المسلسلات التركية أن نكتب عن بعد بعض ملاحظات استنكارية تظهر البون الشاسع بين مبادئنا و أخلاقنا و بين ما تعرضه هذه المسلسلات التي وجدنا أثرها أنكى فينا من كلم السنان بسبب التقارب في البيئة و الدين و العادات و التقاليد بيننا و بين الشعب التركي، و لكن هل من الضروي أن نجرب و نشاهد حتى نصدر حكما بالرفض و الابتعاد أما يكفي أن نعرف الخطوط العريضة و كون هذه المتابعة مضيعة للوقت و ربما الدين فيما لا طائل منه، و ما قد لا يعتبر من التسلية المباحة؟! من يكون أكثر منعة و قناعة: من يجرب و يحكم؟ أم من يجنب نفسه الشبهات؟ أليس التائب يعرف قيمة التوبة لأنه جرب ألم الذنب؟ أم أن المحصن الذي لم يقارب الذنب أعظم درجة عند الله؟
و لكن هناك ملاحظة غريبة بالرغم من التحذيرات الأخلاقية و الاجتماعية التي رافقت ظهور المسلسلات التركية، التي نجدها أمامنا أينما دار بنا جهاز التحكم عن بعد و لا تكاد قناة تخلو منها باستثناء القنوات الدينية، فإن تعلق الجماهير العربية بها لم يقل بل ازدادت رقعته و امتدت الى ما بعد العرض الفعلي للمسلسل لتشمل إطلاق مواقع الكترونية تفاعلية و صفحات للمعجبين لمتابعة النقاش حول المسلسلات و الجمع بين جماهيرها و متابعة أخبار نجومها حتى أصبحت هذه المتابعة ليست ساعة و تنتهي و إنما جدولا قد يملأ ساعات الفارغين و العاطلين أو حتى العاملين في المكاتب أمام شاشات الكمبيوتر!
الملاحظة الأخطر أن المسلسلات التركية غزت بيوت الطيبين و المصلين و بعض المتدينين، و قد لا نخاف على الكبار بقدر ما نخاف على جيل الشباب الذي لم يعش قيم الفضيلة المطلقة، يوم كانت البنات لا يحادثن الشباب إطلاقا ناهيك أن يكون بينهم علاقات شريفة أو غير شريفة! هذا غير الكبائر و الخيانات الزوجية و الدين الأعوج الذي يقتصر على صلاة كبار السن حتى لو كانوا يشربون الخمر، و هذه كلها لا يصدر عن المسلسل أو الشخصيات إدانة لها تنبه الغافلين في الحبكة أن هذه أمور مستنكرة، و مرة بعد مرة يضيع الازدراء من النفس و نفرة القلب من المنكر
و لكننا ما زلنا لم نفهم سبب هذا التعلق الذي أصبح مرضيا في بعض الدول العربية و تسبب بهدم الكثير من الأسر حتى نستطيع معالجته أسبابه ليس بالمنع فقط، فالممنوع مرغوب و له منافذه التي يعرفها الشباب تمام المعرفة
إن هذه المسلسلات،الرومانسية منها بالذات، تعرض ما نفقده في واقع حياتنا الأسرية من مشاعر حب ليس بين الأزواج فقط بل بين الآباء و الأبناء و الأسرة الممتدة!
كلنا يحتاج الى العاطفة بأشكالها المختلفة، كلنا يرغب أن يكون محبوبا و مقدرا، و هذا ما أثبته علم النفس و التربية حتى يكون الانسان متوازنا لا يبحث خارج الأطر الشرعية لسد حاجته و عوزه.
إننا نعيش الفقد و الشح العاطفي و الخرس و المؤاخاة الزوجية ،و نقبل بانطفاء جذوة الحب في قلوبنا بحجة الواقعية و مشاغل الحياة و أننا كبرنا، أو هرمنا، على الحب بذلا و ممارسة حتى أصبحت الأسرة فعلا مقبرة للحب! و أصبح بيت الأسرة كالفندق أفراده نزلاء كل في غرفته و عالمه، و بعض الأباء و الأمهات لا يعرفون عن أولادهم شيئا الا عندما ينتهي المصروف، بل أصبح الآباء و الأمهات يشعرون بالثقل من أولادهم و ينتظرون ساعة نوم الظالم، و تحققت في الكثيرين قصة الصحابي الذي قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم أن له أولادا كثيرين لم يقبلهم أو يعطف عليهم، فأنّبه الرسول قائلا: و ما أفعل لك ان نزع الله الرحمة من قلبك؟!

لا يجب أن نستهين بهذه المسلسلات التي لا تسد هذا النقص فقط ،بل تنقل المشاهد الى عوالم خيالية من قصص الحب غير الصادق و غير الممكن، فأي رجل يمضي كل وقته في التغزل بعيون حبيبته، و يوقف حياته لتلبية رغاباتها؟!
و لكن ما بين الخيال المجنح في المسلسلات و الواقع الأليم في الحياة و غياب الوازع الديني يظل الهروب الى المسلسلات و العيش في قصصها و التفاعل العاطفي معها علاجا ممكنا لخيبات القلب و النفس فيزيد الإقبال!!! مع الأسف
* نحن نهدم الإسلام بأيدينا
ليس من الحكمة و لا من الحق أن نلقي باللوم على الإعلام و نبرء أنفسنا من المسؤولية، فنحن لدينا الدواء الحلال الشافي و لكننا نأبى الا أن نبحث عنه في السوق السوداء! إننا لو طبقنا مبادىء الاسلام لما غلبتنا على أنفسنا طبائع الغرب، و ما من عقاب ينزل من السماء الا و قد ارتفع خير من الأرض.
قنواتنا الاسلامية تتكاثر و لم تستطع حتى الان توفير بديل درامي نظيف و متميز يحكي سير الاسلام ليعرف الشباب كم هو عظيم و طاهر و عفيف و محلق الحب في الاسلام
إن كل الحجج التي نسوقها لتبرير تقصيرنا حجج باطلة داحضة فلم يكن هناك أعظم قدرا و لا أتقى قلبا و لا أكثر انشغالا و هما من سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، فهو لم يكن رجلا تشغله لقمة العيش و الأقساط فحسب كمعظم الرجال، لقد كان نبي أمة و قائد دولة، و مع ذلك كان يخصص الوقت ليكون أرق الأزواج و أحن الآباء و أوصل الاخوة
يخرج ليتمشى مع أمنا عائشة فلا يحدثها بالهموم و الغموم، و لكن يسابقها و يلعب معها، و يقول لها حبك في قلبي كالعقدة التي لا تنفك أبدا، و يزور فاطمة و يرقد عندها، و يطيل في سجوده ليلعب أحفاده على ظهره، و يفرد بردته لتجلس عليها أخته الشيماء
صلى عليك الله يا حبيبنا كم رفعت طموحاتنا و كم هو الواقع مخذول و يخذلنا!!

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

واليائس إذا سلك سبيل الأنبياء!

كاتبني أحدُ المكلومين: "ألا ترى أنّك تكتب عن الثبات وتباشير النصر، بينما لا يجد أحدنا …