الدين والأدب صنوان – بقلم : د. عبد الله فدعق

الرئيسية » حصاد الفكر » الدين والأدب صنوان – بقلم : د. عبد الله فدعق
alt

أسلافنا لم يسموا أدبهم أدباً إسلاميا، وكان دينهم ديناً واضحا بلا واسطة، ومثِّل أدبهمُ القيمَ الإنسانية، المتضمنة لحقيقة الدين، البعيدة عن كل ما يخدش الذوق الإنسان.

شخصياً لا أتصور فقيهاً معاصراً ليست له علاقة بالأدب، وأقصد بذلك عدم اهتمامه ولو من بعيد بفنون الأدب من قصة ورواية وشعر وبلاغة ونقد وغير ذلك. ولا شك أن فقيهاً ـ أو داعية أو مرشدا ـ هكذا حاله، فقيهٌ تقليدي، لن يكون باستطاعته التأثير في محيطه بالصورة اللازمة. فالعلاقة بين الدين والأدب علاقة وثيقة جداً، ومهما تغير زمان الإنسان ومكانه فإنه لا غنى لهذا عن ذاك. مؤكدٌ أن الدين لجأ ومازال إلى الأدب، وكلام ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ مليء بالجوانب الأدبية والفنية اللغوية التي لا تخفى، بل قد تجاوزها، وأحاديث نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك.. علاقة الفقيه بالأدب التي ذكرتها في بداية المقال، لا تعني خلط التخصصات ببعضها، فهذا أمر غير مستحسن؛ نقل الإمام الحافظ ابن عبدالبر في كتابه (جامع بيان العلم وفضله/ 850) عن أستاذ إمام العربية وشيخ النحاة؛ ابن قنبر المشهور بسيبويه، مؤسس علم العروض، وواضع أول معجم في اللغة العربية؛ الخليل بن أحمد الفراهيدي ـ رحمهم الله ـ قوله: "إذا أردت أن تكون عالماً فاقصد لفن من العلم، وإذا أردت أن تكون أديباً فخذ من كل شيء أحسنه". لكني أردت بالعلاقة وصيةَ خالد البرمكي لابنه، التي نقلها الإمام ابن عبدالبر أيضا في جامعه، قال له: "يا بني، خذ من كل علم بحظ، فإنك إن لم تفعل جهلت، وإن جهلت شيئاً من العلم عاديته، وعزيزٌ علي أن تعادي شيئاً من العلم".

يقول الأديب الراحل عباس محمود العقاد في مقالة له كتبها في مجلة الكتاب: "..الأديب بكلمة واحدة هو (المحدث) في جميع العصور، وقيمته في كل عصر تختلف باختلاف حديثه، ومن يحدثه، ومن يتطلب منه الحديث، سواء كان حديثه مما تسمعه الآذان، أم تعبره الأعين في صفحات الأوراق. وبهذه الصفة وحدها يمكن أن تميزه من الشاعر ومن القصصي ومن الناقد ومن مؤرخ الآداب.. أيكون الأديب شاعرًا؟ أيكون قصاصًا؟ أيكون ناقدًا للشعر والقصة؟ أيكون عالمًا مطلعًا على تاريخ هؤلاء وتواريخ غيرهم ممن يحفل بهم التاريخ؟!.. نعم ولكنه في هذه الحالة يكون شاعراً وأديباً، أو قصاصاً وأديبا، أو ناقداً وأديبا، أو مؤرخًا وأديبا.. ولا يلزم حتماً أن يكون واحدا من هؤلاء ليقال إنه أديب؛ فهو محدث حسن الحديث أياً كان موضوع الحديث، وأية كانت صفاته الأخرى التي تقترن بحسن الحديث.."انتهى.

لا ريب أن للأدب أهميته المعروفة عند المتخصصين فيه، ومن ذلك أن الأدب الجميل سواء كان نظماً أو نثرا، أو كتابة أو قراءة يبعث في النفس السعادة والراحة، ويحولها إلى نفس غير مضطربة أو قلقة، وينمي فيها الإحساس والجمال، ويجعلها نفسا واعية.. ختاماً أذكر أننا كثيراً ما نسمع بمصطلح (الأدب الإسلامي)، وكأنه أدب مختلف في أنواعه عن غيره من أنواع الأدب، والحقيقة أن هذا المصطلح وإخوته من المصطلحات مثل الزواج الإسلامي وغيره، فيها إشارات خفية إلى النوع غير المذكور، وفيها أيضاً نزعة انعزالية عن الناس؛ لا سيما أن الأدب قيمة إنسانية، وتقسيمه ديانة أو غير ذلك قد يبعد به عن مقاصده.

أسلافنا ـ رحمهم الله تعالى ـ لم يسموا أدبهم أدباً إسلاميا، وكان دينهم ديناً واضحا بلا واسطة، ومثِّل أدبهمُ القيمَ الإنسانية، المتضمنة لحقيقة الدين، البعيدة عن كل ما يخدش الذوق الإنساني؛ فكل أدب حمل مضموناً إسلامياً، هو أدب إسلامي، حتى لو قاله وكتبه من ليس بمسلم.

المصدر: صحيفة الوطن السعودية بتاريخ 21/5/2011م

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

واليائس إذا سلك سبيل الأنبياء!

كاتبني أحدُ المكلومين: "ألا ترى أنّك تكتب عن الثبات وتباشير النصر، بينما لا يجد أحدنا …