ناجح إبراهيم : الحركات الإسلامية خسرت كثيراً بسبب القاعدة

الرئيسية » بصائر الفكر » ناجح إبراهيم : الحركات الإسلامية خسرت كثيراً بسبب القاعدة
alt

خلق اغتيال أسامة بن لادن في الأسابيع القليلة الماضية حالة من الجدل الفكري حول أثر فكر القاعدة وممارساتها على العالم الإسلامي وعلى الحركات الإسلامية ، وأثير نوعٌ من الجدل حول مستقبل فكر القاعدة ومستقبل التنظيم ذاته، لذا كان لابد من الاقتراب أكثر فأكثر من هذا الفكر، فالتقينا بأحد أبرز المتابعين لهذا الفكر، وأحد من عَايش قيادات  تنظيم القاعدة؛ إنَّه الدكتور ناجح إبراهيم منظّر الجماعة الإسلامية في مصر، والذي قضى نحو 24 عاماً في سجون الرَّئيس مبارك،  وصاحب المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية، فإلى تفاصيل الحوار  :

 

·  بداية هل لك أن تستعرض  بشيء من التفصيل أبرز الأخطاء التي نجمت عن فكر القاعدة تجاه غير المسلمين ؟

لعلَّ من أبرز نتائج جرائم فكر القاعدة في التعامل مع غير المسلمين الهجوم على " كنيسة النجاة الكاثوليكية " في العراق ..  وهو الأمر الذي لم يكن متوقعاً، ذلك لأنَّ تاريخ الإسلام كلّه لم يشهد تعديّاً  على الكنائس أو هجوماً على دور العبادة لأيّ طائفة من الطوائف ، حتى في وقت تفرّد الإسلام بالقوَّة والمَنَعة، وسيطرته على كلِّ البلاد دون منازع ، فقد ذهبت جيوش المسلمين شرقاً  وغرباً،  ولكنَّها لم تعتد يوماً على أيّ دور عبادة  ، فقد أقرَّت الشريعة الإسلامية أهل الكتاب على اختيارهم لعقائدهم ودينهم  ، وأعطتهم حرية العقيدة والعبادة وفرضت على الحاكم المسلم حماية أرواحهم ودماءهم  وأعراضهم وأموالهم ودور عبادتهم ، تنفيذا ً لقوله تعالى : {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} .. وقوله تعالى: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}  ، وقد كان أبو بكر الصديق الخليفة الرَّاشد الأوَّل يوصي جيوشه المحاربة بقوله:

(لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا .. ولا تقتلوا طفلاً  صغيراً  ولا شيخاً  كبيراً  ولا امرأة .. ولا تقطعوا نخلاً  ولا تحرقوا شجرة مثمرة.. ولا تذبحوا شاه ولا بعيراً  إلاَّ لمأكله..  وسوف تمرون على قوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له) ، وإذا كانت هذه النصائح النفيسة في حقّ المحاربين أثناء الحرب  ، فما بالنا بأبناء الوطن الواحد المختلفين معنا في الملّة والدّين ، والذين حفظ لهم الإسلام حق المواطنة حينما قرَّر لهم القاعدة المعروفة  (( لهم ما لنا .. وعليهم ما علينا))، وإذا كانت هذه هي تعاليم الإسلام، فلماذا تركت القاعدة كلّ هذه القيم النبيلة .. واختارت أن تقايض بالمصلين وهم في دور عبادتهم .

·    برأيك هل كسب أم خسر العالم الإسلامي من فكر القاعدة  ؟

** القاعدة ما دخلت في أمر من أمور المسلمين إلاَّ وأفسدته عليهم، وجلبت عليهم كلّ المفاسد وضيَّعت عليهم كل المصالح.. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر ،  فقد قاموا بأحداث 11سبتمبر انطلاقاً  من أفغانستان دون إذن من حاكمها أو حتَّى معرفة مسبقة له ممَّا أدى إلى احتلال أفغانستان .. والغريب في الأمر أنَّ الشيخ  أسامة بن لادن كان قبلها قد بايع الملا عمر كحاكم على السَّمع والطاعة .. ثمَّ قام بتفجير المدمرة كول وسفارتي كينيا وتنزانيا دون علم الملا عمر أو موافقته  ،  فلما عاتبه الأخير وعاقبه بتقييد حركته في أفغانستان أعطاه عهداً  جديداً  على عدم تكرار أيّ أمر دون إذنه .. وفي الوقت نفسه كان يخطّط لأحداث 11 سبتمبر .. ثمَّ نفذها لتضيع  أفغانستان كلّها..  ويضيع معها كلّ شيء ، واليوم تتحرك القاعدة في اليمن دون حكمة أو تعقل،  وقد يؤدّي ذلك إلى تقسيم اليمن إلي دويلات صغيرة .. أو صوملتها لتتحوَّل إلي صومال جديد تنتشر فيها الفوضى .. أو يؤدِّي ذلك إلى احتلالها لتتكرّر مأساة العراق مرَّة أخرى.

 

·  بصفتك أحد قيادات الجماعة الإسلامية، والتي تعرفت عن قرب بفكر القاعدة كيف تقيّم لنا هذا الفكر  ؟

** القاعدة تكفر جميع حكام المسلمين بلا استثناء.. وكذلك جميع معاونيهم وأتباعهم.. فضلاً  عن تكفيرهم للشّرطة والجيش وأجهزة الاستخبارات بأنواعها المختلفة في كل بلاد المسلمين .. وكذلك تكفير أعضاء البرلمان والنيابة والقضاء ،  وتعدّ دائرة التكفير في فكر القاعدة من أكبر الدَّوائر في كل الحركات الإسلامية على الإطلاق حتّى المتشدّدة منها.

ولعلَّ من أهم الأخطاء الشرعية التي وقعت فيها القاعدة ونفرت منها معظم علماء ودعاة وعوام المسلمين هو تكرار استهدافها للمدنيين بالقتل ، بل إنَّ معظم عمليات القاعدة كانت تستهدف المدنيين ليس في بلاد غير المسلمين فحسب .. بل في بلاد المسلمين أيضاً.. فتفجيرات الرّياض والدار البيضاء والجزائر وتفجير فندق الأردن الذي قتل فيه المخرج العالمي مصطفي العقاد  .. الذي خرج أعظم الأفلام التي خدمت الإسلام مثل "عمر المختار" "والرسالة" .. وتفجيرات باكستان المتعددة .. فضلاً  عن تفجيرات لندن ومدريد وبرج التجارة العالمي، كل هذه التفجيرات وغيرها استهدفت المدنيين مباشرة .. وقتل في هذه التفجيرات المئات من الرِّجال والنساء والشيوخ والأطفال ، وهذا من أكبر المحرمات في شريعة الإسلام حتى في حالة الحرب والدليل علي ذلك  هو قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ} .

وقد قال ابن عباس وغيره من المفسّرين في تفسير كلمة {ولا تعتدوا} في الآية  (معنى لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا يقتل زمنى ؛ أي: المريض صاحب المرض المزمن ، ولا أعمى ولا راهب ) .. وذلك كلّه في حالة الحرب .. فما بالكم بغيرها.

كما أنَّ من أبرز أخطاء القاعدة هو القتل بالجنسية، فقد حارب المسلمون أعداءهم طوال قرون طويلة .. ولكن لم يصدر عن أحد من علماء المسلمين قديماً  أو حديثا ً فتوى تبيح قتل كلّ من ينتمي لجنسية أو ديانة أو عرق معين ، فقد قاتلوا الرّوم ولم يصدر عن الصّحابة أو التابعين فتوى بقتل كلّ رومي .

وقاتلوا الفرس ولم تصدر فتوى بقتل كل فارسي ،  ولكن القاعدة خرقت في الفقه الإسلامي خرقاً  خطيراً  لم يحدث من قبل حينما أصدرت فتوى بقتل كلّ أمريكي.. وكل يهودي .. فهناك أمريكي مسلم .. وهناك أمريكي متعاطف مع قضايا المسلمين .. وهناك أمريكي يعارض سياسة بلاده في الشرق الأوسط .

وقد كان القرآن عظيماً  حينما أشار إلي أهل الكتاب من اليهود والنصارى بقوله تعالى: {ليسوا سواء ً } .. وهي  حكمة قرآنية عظيمة نسوقها ونكرّرها على مسامع قادة القاعدة والمقتنعين بفكرهم ، وهذه الآية تمثل قمة العدل القرآني مع الخصوم والمخالفين في العقيدة والدين.

 

·       هل برأيك خسرت الحركات الإسلامية أيضاً  من فكر القاعدة ؟

·       بالطبع خسرت الحركات الإسلامية كثيراً من هذا الفكر، فقد استغلت ممارسات تنظيم القاعدة في ابتزاز جميع الحركات الإسلامية وحورب بسببه العمل الخيري في العالم الإسلامي، وذلك بعد أن نجحت القاعدة في  تجبيه وحشد الأعداء " ليس ضدها فحسب .. ولكن ضد الحركات الإسلامية كلها، فكل دولة في حالة حرب تحاول تفريق شمل أعدائها ومنع حشدهم ضدها .. ولكنَّ القاعدة فعلت العكس .. إذ إنها قامت وبشكل غير مسبوق بتجميع أعدائها وحشدهم ضدها .. بل وضدّ كلّ الحركات الإسلامية. فقد حشدت أمريكا والغرب كله ضدها بعد 11سبتمبر وتفجيرات لندن ومدريد. وحشدت الدول العربية ضدها بعد قيامها بتفجيرات في معظم الدول العربية.وحشدت روسيا ضدها بعد تدخلها في الشيشان وداغستان وتفجيرات موسكو .

وحشدت  ضدها الهند وباكستان بعد عشرات التفجيرات في هذه البلاد .. حتى صار العالم كله في تحالف فريد ضد القاعدة ، وكاد هذا التحالف أن يكون ضد كل الحركات الإسلامية لولا تنبّه هذه الحركات لهذا الخطر ومواجهتها لأفكار القاعدة وتوجهاتها  ، بل وقد حاولت قوي غربية وصهيونية وعلمانية متطرفة  أن تحوّل هذا التحالف لمواجهة الإسلام نفسه .. ولكن الله أحبط هذا المسعى .

 

وقد تسببت القاعدة  في فرض حروب علي الأمةً لم تردها ولم تستعد لها ولا ترغبها  ، فقد تسببت في احتلال أفغانستان بسبب أحداث 11 سبتمبر عاشت في دولة أفغانستان التي كانت تقودها طالبان ورغم أنّها بايعت الملا

ونفس الموقف تكرّر في اليمن .. فقد وضعت نفسها نائبة عن الشعب اليمني والحكومة اليمنية لتتحالف مع إيران وحزب الله لخلع الرَّئيس علي عبد الله صالح وتغيير مجمل الأوضاع في اليمن، وتكرر أيضاً  نفس الموقف .. إذا جعلت نفسها نائبة عن الشعب الفلسطيني لتهاجم السلطة الوطنية تارة وتهاجم حماس أخرى .. وتنكر على الأخيرة دخولها الانتخابات وترسم لهم الطَّريق الصَّحيح لتحرير فلسطين..  دون أن تطلق طلقة واحدة لتحرير فلسطين .

 

·       هل لك أن تحدّد لنا جوهر مشكلة فكر القاعة  ؟

** إنَّ أزمة القاعدة ومن شابهها الجمود الشَّديد ، وعدم التفريق بين ثوابت الدين ومتغيّراته ، فعلينا أن نثبت مع ثوابت الدّين .. ونكون فيه في صلابة الحديد.. وأن نتغيّر مع متغيّراته .. ونكون معها في نعومة الحرير ، فمن أهم ثوابت الدّين غاياته  العظمى وأركانه وعقيدته وأخلاقه ، أما أهم المتغيرات فيه الفروع الفقهية والوسائل والآليات التي تختلف من زمان لزمان .. ومن مكان لمكان .. ومن بيئة لبيئة.. ومن شعب لشعب .. وهذا هو سرّ خلود الشريعة الإسلامية الغراء .

ومن أبرز المشكلات في فكر القاعدة هو الخلط  بين الغايات والوسائل، ثمَّ تحويل الوسائل إلى غايات ، فقد أساءت القاعدة إلى مفهوم الجهاد وحوَّلته من وسيلة للدفاع عن الوطن والدين والعرض إلي غاية في حدّ ذاتها  ، ونسيت أنَّ الإسلام اعتبر أنَّ الأصل في كلّ الأنفس البشرية هي العصمة والحفظ  ، ولا تزول هذه العصمة إلاَّ بأسباب دقيقة لا يستطيع أحد الاجتراء عليها إلاَّ في حالات الحروب بين الدول ، أو بحكم القاضي في داخل  الدولة المسلمة نفسها  ،  وذلك كله بعد تحرّزات كثيرة وضعها الإسلام أمام القاضي نفسه  للحيلولة دون سفك الدماء بغير وجه حق .. حتَّى أنَّ الإسلام وضع قاعدة هامة في الفقه الجنائي وهي (ادرءوا الحدود بالشبهات) .

 

فقد أساء أبناء الإسلام لهذه الفريضة العظيمة حينما وضعوا سيوفهم في غير موضعها .. ولم يدركوا أنَّ الجهاد كسائر فرائض الإسلام لها أحكام.. وأسباب وموانع وشروط.. وفقه خاص بها ..  بل إنَّ فكر القاعدة لم يكتف بتحويل الجهاد من وسيلة إلى غاية فقط.. ولكنَّه جعل القتل والتدمير والتخريب في بلاد المسلمين هدفاً  في حدِّ ذاته.. حتّى وإن لم يحقّق  ذلك فائدة له أو لغيرهم أو لوطنهم أو للمسلمين .

ولعلَّ من أكبر مشاكل فكر القاعدة هو إلغاؤها للآخر من حياتها .. فهي لا تعترف بالآخر الإسلامي أبداً .. ولم يؤثر عنها على الإطلاق أنَّها مدحت دولة عربية أو إسلامية علي أيّ فعل حسن قامت به  ، كما لم يؤثر عنها كذلك أن مدحت أيّ حركة إسلامية في أيّ مكان .. وذلك انطلاقاً  من فكرتها السّقيمة  (هلك الناس).. حتَّى حماس لم تمدحها رغم كثرة تضحياتها وكفاحها عند ثغر من ثغور الإسلام.

 

·       ألا ترى أنَّ نجاح الثورات الشعبية هو إجهاض لفكرة استخدام السّلاح في التغيير ؟

** بالفعل لقد ألغت فكرة نجاح الثورات الشعبية استخدام العنف لإزالة الأنظمة، فهو أسلوب بات واضحاً أنَّه الأيسر سبيلاً والأقل تكلفة والأعظم نتيجة وأثراً والأقرب إلى قبول النَّاس له واجتماعهم حوله ، أمَّا الحركات الإسلامية التي استخدمت العنف فقد فشلت جميعها في الوصول إلى ما إلى ذلك ، وأعتقد أنَّ مثل هذه الثورات تعتبر خصماً من رصيد فكر القاعدة إن لم تكن  لفكرتها الرَّئيسية .

·       برأيك هل سيؤدِّي رحيل بن لادن إلى تراجع فكر القاعدة  ؟؟

** رحيله سيؤدّي إلى عصمة هذا الفكر، فموت صحاب الفكرة يؤدي إلى عصمته لأنَّ النَّاس لا تفرِّق بين العواطف نحو الشخص وبين تحليل فكره ورؤاه، وللأسف فلو كان بن لادن  حيّاً يمكن أن يراجع أفكاره بنفسه، أما  وقد مات صاحب الفكر فلا يستطيع أحد من الإسلاميين الاقتراب من نقده، لأنَّ الناس لن تسمح بذلك على اعتبار أنَّه قد مات ويجب احترامه بعد وفاته، ولا يفرقون في ذلك بين تحليل الأفكار وحرمة الميت،  وستجد من يتعاطفون معه في إخلاصه لفكرته رغم أنَّ هذا كلّه لا يجب أن يحول دون نقد مشروعه الفكري  لأنَّ هذا المشروع أضر بالإسلام والمسلمين.

·       هل تتوقع تراجع نشاط القاعدة بعد رحيل بن لادن  ؟

** إذا لم تقم القاعدة بضرب المدنيين الغربيين سوف تتحقّق مكاسب كبيرة ، وإذا توقفوا أيضاً عن عملياتهم فسوف ننجح  في وقف إلصاق تهمة الإرهاب بحركات المقاومة المشروعة.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • حماس
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    التدجين الناعم: كيف يُختطف وعي الأمة؟ (2-2)

    تحدثنا - بفضل الله تعالى- في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:- توطئة عن الموضوع. …