الابتسامة سرٌ من أسرار الكون القديمة .. هي اللغة التي لا زالت توحِّد لغات العالم منذ بداية البشرية ، لم يتغير معناها ولم يتبدل مع تبدل كل القوانين والأعراف.
وما زالت الابتسامة علاج فعال لأمراضٍ فُقد الرجاء من الشفاء منها، ولا زالت الابتسامة تشعل القلوب بالمحبَّة والأخوة، ولا زالت طريقةً للدَّعوة إلى الله، بل من أنجع الطرق في الدعوة.
أختي الغالية : لا تخلو الحياة من هموم ومنغصات ، بل إنَّ المؤمن أكثر عرضةً من غيره للهموم والابتلاءات، وذلك من محبة الله له ، وليرقى من خلال صبره على تلك الابتلاءات إلى الدَّرجة التي ارتضاها له الله عزَّ وجل في دار الخلد .
ورسولنا عليه الصَّلاة والسَّلام كان من أكثر الناس ابتلاءاً، بل إنَّه مات عليه الصَّلاة والسَّلام وما من فتنة وما من مصيبة إلاَّ نزلت به بأبي هو وأمي ، ولكنَّه كان أكثر النَّاس تبسماً وأبسطهم وجهاً.
وتلك وصيته عليه الصَّلاة والَّسلام : (( إنكم لن تسعوا النَّاس بأموالكم ، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق )).
وتلك كانت أخلاقه عليه الصًّلاة والسَّلام ، وما قصة الصَّحابي فضالة بن عمير الليثي إلاَّ دليلٌ على ما للابتسامة من سحر وأثر على القلوب ، فقد أتى فضالة إلى الرَّسول عليه الصًّلاة والّسَّلام في عام الفتح يريد قتله ، فلمَّا اقترب من الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم ، بادره قائلاً : " أفضالة ؟ " . قال : نعم ، فضالة يا رسول الله . قال : ما كنت تحدّث نفسك ؟ قال : لا شيء ، كنت أذكر الله.وصيته عليه الصَّلاة والَّسلام : (( إنكم لن تسعوا النَّاس بأموالكم ، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق )).
فضحك النّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، وقال لفضالة : استغفر الله . ووضع يده على صدره . يقول فضالة : ( فوالله ما رفعها حتى ما من خلق الله شيء أحبَّ إلي منه ).
ذاك أثر الابتسامة في القلوب، وهكذا تقلب الابتسامة الكره وداً ، والضغينة حبّاً، وهكذا نصنع بالابتسامة صداقةً وإخاءً ومحبّة في الله تبقى إلى أن يظلنا الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
يقال: إنَّ الابتسامة لا تكلف شيئاً ولكنَّها تعطي الكثير ، ويقال: إنها شعاع من أشعة الشَّمس تستقر في القلوب وتمتزج بالأرواح .
فأيّ ابتسامة قصدها عليه الصًّلاة والسَّلام في قوله : (( تبسمك في وجه أخيك صدقة)) وكيف كانت ابتسامته عليه الصَّلاة والسَّلام ؟
عن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم كثيراً ، لا يقوم من مصلاه الذي يصلّي فيه الصبح حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت قام ، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم.
فتلك ابتسامته عليه الصَّلاة والسَّلام ، ابتسامة رزينة هادئة ، صادقة غير متكلفة ، يمتزج بها الإخاء ، وتصاحبها المحبَّة ، ويشع منها الصدق والنقاء .
تلك الابتسامة التي أراد عليه الصَّلاة والسَّلام أن نتصدق بها على إخواننا ونمنحها لكلِّ من حولنا عنواناً للمحبَّة والإخاء .
صفات هذه الابتسامة :
- هي ابتسامة نقيَّة صادقة لا تكلف فيها ، تخرج من القلب لا من الشفتين لتصل إلى القلب .
- أن يصاحبها مصافحة أو عناق .
- مع كلمات الود والترحيب الصادقة النابعة من القلب دون مبالغات ممقوتة .
والابتسامة أنواع وألوان ، فمن أنواعها :
ابتسامة الفرح ... ابتسامة السخرية ... ابتسامة النفاق
ابتسامة عند الخوف ... ابتسامة الحوادث المضحكة
وابتسامة الإخاء ... وتلك أروع الأنواع ، وتلك الابتسامة التي أراد منا رسولنا عليه الصًّلاة والسَّلام أن نمنحها لمن حولنا بسخاء .
من ألوان الابتسامات :
الابتسامة المائية : وهي من أخطر الابتسامات إطلاقاً، إذ أنَّها لا لون لها ولا رائحة، ممَّا يجعل من الصعوبة بمكان التعرّف على نوايا صاحبها أو تصنيفها حسب مقياس الخير أو الشر.
الابتسامة السَّوداء : وتعدُّ في الدَّرجة الثانية من ناحية الخطورة الاجتماعية، وتمتاز عن سابقتها بأنَّها تفضح نوايا صاحبها مباشرة، إذ أن الإنسان البسيط يستطيع أن يدرك وبسهولة أنَّ المبتسم يغلي قلبه، على الشخص المبتسم له ضغينة وشروراً، ولا سيّما إذا صاحبتها عواملها المساعدة؛ كالأعين المحمرة والجباه المخططة وغيرها من علامات الشطط المعروفة.
الابتسامة الصفراء : وهي أقل خطورة من سابقتها، حيث يتضح من رسمها جليا أن المبتسم بالغ الاستياء والكدر، وربما الاستخفاف بالمبتسَم له، ومن العوامل المساعدة لهذه الابتسامة مصاحبة بعض الأصوات لارتسامها على وجه المبتسم، كالزفرات المضغوطة وغيرها من النغمات التأففية.
الابتسامة البيضاء : وتعدُّ هذه الابتسامة هي ملكة جمال الابتسامات في المجتمع، وذلك لأنها ذات حلة بيضاء ناصعة وتخرج متبخترة كأنَّها - عروس- ترفل في ثوبها الأبيض، وتمتاز على قريناتها بأنَّها بالغة الشفافية وعالية النقاء وذلك لأنَّها تخلو تماماً من دلالات الضغينة والبغضاء، بل على العكس تملؤها مشاعر الطمأنينة وتصاحبها نظرات الود والمحبة .
فلننثر المحبَّة أخواتي بابتساماتٍ أخويةٍ ورديةٍ بيضاء ، ولنترفع على همومنا وآلامنا بابتسامة رضى وبنظرة تفاؤل وأمل، وبومضةِ محبةٍ وإخاء ، ولنتأسى بخير البشر الذي ملك نفوس أصحابه رضي الله عنهم بابتسامته المشرقة ، وضحكته اللطيفة ، وبشاشته المحببة .
فماذا يفيد الكرم مع العبوس وقطب الجبين ؟ فالمال لا يسعد من حولك، وإنَّما تبسمك يسعدهم ...
إذا كان الكريم عبوس وجه فما أحلى البشاشة في البخيل