الاتصال المباشر .. الأكثر تأثيراً في الآخرين

الرئيسية » بصائر تربوية » الاتصال المباشر .. الأكثر تأثيراً في الآخرين
alt

الاتصال المباشر بالنَّاس هو الأسلوب الأنجع للدُّعاة لنشر دعوتهم، وخاصة للعاملين في مجال العمل العام، فتأثيرُ النقاش الشخصي المباشر لكلِّ إنسان في مكانه يكون أقوى تأثيرًا من استخدام وسائل أخرى على أهميتها، فعلى سبيل المثال يسيطر غير الإسلاميين على المنابر الإعلامية بشكل كبير، فتراهم يريدون توجيه الرَّأي العام لاتجاه يخالف أحياناً الحركة الإسلامية، إلاَّ أنَّ تأثيرهم رغم تسيّدهم لتلك الوسائل يكون أقل  من الدُّعاة الذين يحتكون بالنَّاس مباشرة، وهذا ما ظهر جليّاً في مصر بعد الثورة، وبالتَّحديد أثناء التعديلات الدستورية الأخيرة، حيث انتفض الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع للترويج لرفض تلك التعديلات، وشنّ حرباً ضروسا على الإسلاميين، إلاَّ أنَّ أصحابَ التوجّه الإسلامي برصيدهم الكبير عند النَّاس واتصالهم المباشر بهم، أعطاهم القدرة على توجيه الرَّأي العام لقبول تلك التعديلات.

ورغم  أهمية وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الجماهيري وكافة وسائل الإعلام الحديث في تبادل الأفكار وتوجيهها وتنقيحها وإزالة الشبهات، إلاَّ أنَّ الاتصالَ المباشرَ هو الوسيلة الأكثر فعالية وإقناعاً، فالكثير قد يستمع إلى موعظة أو يشاهد متحدّثًاً، ولكن ما مدى التأثر بذلك ؟ وهل نفدت الأفكار إلى ذهنه ؟ وهل أجابت الموعظة على ما عنده ؟

هنا يأتي الاتصال المباشر ليحقِّق النتائج العظيمة والنسب العالية التي نتمناها في موضع تغيير المجتمع بالعودة إلى الله، إلاَّ أنَّه كثيراً ما تصدر منّا أقوالاً أو أفعالاً تؤدِّي إلى عزوف الطرف الآخر عن الاتصال معنا، أو تردّده أو حمله على اتخاذ موقف دفاعي في الحديث معنا، وأشدّ هذه المعوقات ضرراً وأكثرها حدوثاً فى الحياة العملية، لخصّها العديد من خبراء التنمية البشرية في: التسرع فى التقييم أو التعليق، واستخدام العبارات التقريرية والتخصصية، ومقاطعة الآخرين، والغضب عند المقاطعة أو الاستفهام، والاستئثار بالحديث، وأسئلة الاستدراج، والتهكم والسخرية، والتركيز على الأخطاء، والمجادلة، وممارسة بعض العادات المعوقة.

الأحكام السَّريعة

كثيراً ما يكون التسرّع في التقييم وإبداء الملاحظات مسار شكوى الكثيرين، إذ  أنّ التسرّع في الاستنتاج وإصدار الأحكام قبل الإلمام بأكبر قدر من المعلومات يؤديان إلى إصدار التعليمات غير المفيدة ، والأحكام غير الناضجة، ولذلك للقضاء على تلك الآفة فيجب، الالتزام بمبدأ تأجيل الحكم أو التروّي بمعنى أن تحتفظ باستنتاجك وتعليقاتك إلى أن تنتهى مناقشة جميع الأفكار، ولايتوان الإنسان عن توجيه الأسئلة الإيضاحية حتَّى في الحالات التي يشعر فيها بإلمامه بكلّ المعلومات، كما يتطلب الأمر التأكّد  من معنى الحركات التعبيرية التى قد يلاحظها، بالإضافة إلى استيضاح تعليقات الآخرين والنقاط التى يناقشون فيها بإثارة الأسئلة، فضلاً عن التأكّد من استيعاب كافة النقاط والمسائل كما يراها الطرف الآخر، وليس كما يحلو للإنسان أن يراها، وأخيراً استخدام مهارات الاستفسار والاستماع الفعال .

عبارات ممنوعة

عندما نستخدم العبارات التقريرية، أي: تلك التي تفيد التقرير والحسم، أو العبارات التخصصية تلك التي تفيد التخصيص، فأنت تدفع الآخرين إلى اتخاذ جانب الدّفاع والمقاومة، فلو أنك استخدمت إحدى هاتين العبارتين مع أحد المتعاملين معك:  (دائماً تأتي متأخراً)  أو  (لم يحدث أن جئتني بعملية خالية من المشاكل)، فأنت تلقي بقفازك في وجهه، ممَّا يضطره إلى الدّفاع عن نفسه، وبدلاً من أن يبدأ حديثاً عادياً معك، فإنه يجتهد في البحث عن أحد المواقف التى تثبت خطأ ما قلت أو عكس ما قلت، وعندما يحدث هذا تضيع الرِّسالة الأساسية التي توّد توصيلها في معركة التفاصيل، إذ تبدأ درجة الاستماع فى الانخفاض رويداً رويداً حتَّى تتلاشى وينسى كلّ منكما المشكلة الحقيقية والحل المطلوب لها، هو تحاشى العبارات التخصيصية والتقريرية كلَّما أمكن ذلك، فاستخدامها يؤدِّي دائماً إلى خلق حالة من القلق، كم يجب استخدام العبارات التقريرية في التّعبير عمَّا تريد مثل: (يبدو لي أنك سجلت كثيراً من كشوف المتأخرين في الأيام الأخيرة)، فمثل هذا التعبير يؤدِّي إلى الاسترخاء النفسي للطَّرف الآخر ويجنبك دفاعه، كما يجب أن يتم الاستشهاد  ببعض المواقف التي تؤيّد ملاحظاتكم التقريبية. الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه، وتعذر عليه ترك عيوب نفسه، وإن من أعجز الناس من عاب الناس بما فيهم، وأعجز منه من عابهم بما فيه، ومن عاب الناس عابوه).

ما أحوج الدُّعاة والمتربين في زماننا هذا إلى هذا الفقه التربوي الرَّائع حتَّى نكون  شديدي الانتباه في تربية أنفسنا، فكم نخرق من حرمة، وكم نهتك من ستر، وكم نقع في عظيمة، عندما نشغل أنفسنا بعيوب الآخرين.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …