دراسة للتلمساني .. الإسلام لا يعرف الدولة الدينية (1-3 )

الرئيسية » بصائر الفكر » دراسة للتلمساني .. الإسلام لا يعرف الدولة الدينية (1-3 )
alt

كشفت دراسة نادرة للأستاذ عمر التلمساني المرشد العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين عن وجود رؤية مؤصلة وقديمة للحركة الإسلامية ليست وليدة لحظة الجدل المثار الآن حول مفهوم الدولة الدينية , إذ تؤكد الدراسة التي حصل " بصائر " على نسخة منها أن الإسلام لا يعرف في تعاليمه رَجلَ دِين، و إنْ صحَّ في الأذهان مثل هذا الهُراء، فهل لي أن أتصور مفترضًا أن أصحاب هذا الشعار، يترآى في أذهانهم حال السلطة البابوية في القرون الوسطى، يوم أن كان البابا والمطارنة والقُسس يحللون ما يشاءون، ويُحرِّمون ما يشاءون، ويُدخلون الجنةَ من يريدون، ويقذفون في النار مَن يكرهون، يوم أن كانت صكوك الغفران والحرمان وشلح الناس من الكنيسة وبركاتها ورضاها، يوم أن كان غضب البابا على أي أميرٍ أو ملك كفيلاً بإثارة شعبه عليه وإشاعة الفزع في أوصاله.

وأشارت الدراسة إلى أن هذه الصورة لا وجودَ لها في الإسلام على الإطلاق؛ لأن الله سبحانه وتعالى ساوى في الإسلام بين الناس جميعًا، رجالاً ونساءً في الحقوق والواجبات، وبين الحاكم والمحكوم، لا فضل لشيخ الأزهر- مثلاً- على بوابِ الجامع الأزهر، إلا في أمرٍ واحد جاءت به الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: من الآية 13)، وعرف المسلمون هذه الحقيقة وتعارفوا وتعاملوا بهذ الميزان، فرسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول لابنته السيدة فاطمة: "اعملي فإني لا أغني عنكِ من الله شيئًا"؛ أي رغم أني رسول الله وأقربهم منه وأحبهم إليه، فإن مكانتي هذه لا تنفعكِ بشيءٍ عند الله ولكن ينفعكِ عملكِ، ويقول للناس: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (الكهف: من الآية 110) ويؤكد هذا المعنى بأن يطلب صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن يستقيدوا منه، إذا مسَّ أحدهم بسوء، وحاشاه، صلى الله عليه وسلم.

 ومعنى هذا أنه وهو رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ورئيس الدولة ومفتيها، لا يملك لهم من الله شيئًا، وأن مكانته هذه لا تبيح أن يشقَّ عن صدور الناس ليعلم خباياها، وأنه يكفيه منهم أن يقولوا لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ليحقنوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وبهذه الصورة ينتفي تمامًا أن الرسول نفسه، صلى الله عليه وسلم، لا يحلل ولا يُحرِّم إلا طبقًا لما يُجيئه به الوحي من لدن رب العالمين، وأنه لا يملك أن يُدخلَ أحدًا الجنة أو يحرمه منها، ما دامت أوامر الله منفذة، ونواهيه مجتنبة، إذا كان ذلك كذلك، فكيف يبيح مسلم لنفسه أن يصف الحكومة التي تُطبِّق شرع الله، أنها حكومة دينية، وهو يقصد متعمدًا أن ينفر الناس من حكومة تشريعها مستمد من كتاب الله وسنة رسول، صلى الله عليه وسلم، والإجماع، وما انتهى إليه فقهاء العقيدة الإسلامية عند الكلام التشريعي في الدين الإسلامي، الدين الذي ارتضاه الله لعباده يوم أن قال جل وعلا: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران: من الآية 19) يوم أن قال: إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تعبَّد به عباده وغير مرفوض (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران: من الآية 85).

 

وعلى هذ الصورة الدقيقة سار الخلفاء الراشدون من بعده، لم يدعوا لأنفسهم قداسةً، ولم يقولوا إن ذواتهم مصونة لا تُمس، بل إنهم يعترفون صراحةً بأنهم ليسوا خير المسلمين، فهذا أبو بكر يقول في أول خطبةٍ له عقب توليه الخلافة: "وليتُ عليكم ولستُ بخيركم، فإن استقمتُ فأعينوني، وإن انحرفتُ فقوموني".

وتشير الدراسة إلى أن هذا المشهد بعيد كل البعد عن الحكومة التي يسمونها دينية ويخشون حكمها؟؟

وقال التلمساني مخاطباً دعاة التخويف من الحكومات الإسلامية  " أليس من الإنصاف أن تجعلوا للتاريخ الإسلامي نصيبًا في تقديراتكم مساويًا على الأقل لتصوراتكم في حكومات البابوية!! .. إني أعيذكم أن تكونوا متعمدين تشويه صورة حكومة تحكم بما أنزل الله، أيًّا كان سيرها في الرعية، ولئن انحرف التطبيق أحيانًا فإن الأصل ثابت لم يتغير، فشرع الله كفيلٌ بتوفير الأمن والأمان والحرية والرخاء "

 

ثم استطرد قائلاً  " لست أدري، هل عن عمد أو غير عمد، تسكتون عن مقومات ونظام وأسلوب الحكومة الدينية؟؟ ما هي؟؟ وما الأخطار التي تنجم عن توليها الحكم؟! وإذا كان الإسلام في تاريخه كله لا يعرف هذا الشعار ]شعـار الحكومة الدينية[ فلماذا تصرون على إلصاق هذا الوصف على كل مَن يطالب بحكومة تطبق شرع الله في هذا البلد المسلم؟! "

 

ويقول التلمساني " إن الحكومة التي تخشونها سبقت الحكومات التي تتغنون بها، فإن كانت هناك جمهوريات رئاسية وأخرى نيابية، فقد عرفت الحكومات التي تطبق شرع الله وزارة التفويض ووزارة التنفيذ، فلماذا تعجبكم تلك وتنكرون هذه؟! أهي المقارنة العادلة، أم هي الكراهية المردية تشجَّعوا وأفصحوا يا فرسان القلم، ويا غزاة الفكر بكل غربي ينال من الإسلام "

وأشارت الدراسة إلى  القاعدة الذهبية التي وضعها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في العلاقة بين الحاكم والمحكوم والتي  تقول "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُودع منهم".. ثم يقول التلمساني معقباً عن هذا الحديث أنه ليس هناك أوضح من هذا في وجوب التزام الحكومة الإسلامية بالعدل والشورى، واجتناب الظلم والانفراد بالرأي؟! ووجوب قيام الشعب بواجبه نحو إلزام الحاكم بالتزام العدل والكف عن ظلم الرعية، متسائلاً ؟؟ أليس هذا بأفضل من الانفراد بالرأي في ظلِّ الحكومات التي عانينا من ظلمها واستبدادها منذ عشرات أو مئات السنين؟؟ لماذا تسمون هذه الحكومات بالحكومات الدينية؛ تنفيرًا للناس من حكومة تُطبِّق شرع الله، إن الرسول الذي يحضنا على هذا السمو في التعامل بين الرعية وحكومتها الإسلامية، وحق الشعب في المطالبة بحرية الرأي والكلمة، فيقول: "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يدفع رزقًا، ولا يُقرِّب أجلاً".

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …