في زمنٍ تحوّلت فيه بيوتنا إلى دور عرض للتُّحف والمقتنيات الثمينة ، وتنافست النسوة لينلن شرف لقب صاحبة "أجمل دار" ... وضاقت المنازل الرّحبة بساكنيها ... فصالة الضيوف مغلقة ، وغرفة الطّعام يجب أن تظل في جهوزيةٍ تامةٍ للاستقبال ، وغرفة الأطفال للعرض اليومي ، و...
فقط ، منزلٌ واحدٌ نال لقب " روضةٍ من رياض الجنَّة " ، هو منزلٌ مميّزٌ بتواضعه ، معروفٌ ببساطته، وبساطة أهله . نأتيه بشوق ولهفة، ونتمنى أن لا يحين موعد الإنصراف . نتنافس فيه على الخير ونتعاون على البر والتقوى . تحفّنا فيه الملائكة وتغشانا الرَّحمة وتنزل علينا السّكينة ، ويذكرنا الله فيمن عنده .
روضة قريبةُ المنال :
روضة بمتناول كل واحدةٍ منا ، تنشرح لها الصّدور ، وتتلاقى فيها الأرواح ، فيها ينابيع المحبَّة وأشجار الوفاء وفاكهة الرَّاحة والسكينة ، فيها ما لذّ وطاب ويجتمع بها فقط الأحباب ...
فيها أنهار العلوم والمعارف المرتبطة بذكر الله تعالى ، وفيها تلتقي الأنهار بشواطىء الإيمان والنقاء.
إنَّها الحلقات التي نتدارس فيها الذّكر والتفسير ، والسّيرة والفقه وسائر العلوم الشرعية ، إنَّها حلق الذّكر،
فعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم أنَّه قال : ( إذا مررتم برياض الجنَّة فارتعوا )، قالوا: وما رياض الجنَّة يا رسول الله ؟ قال : (حلق الذّكر ) .رواه الترمذي .
أما أختاه، إن كنت من الذَّاكرين غير الغافلين، فاحرصي على أن ترتعي في رياض الجنَّة مع الصحبة الخيّرة ، فقد روى الإمام مسلم أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال :((لا يقعد قوم يذكرون الله عزَّ وجل إلاَّ حفّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عيهم السَّكينة وذكرهم الله فيمن عنده )). ( تعال نؤمن ساعة ، إن القلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً).
وكلّ تذكير بالطَّاعة ، طاعة بذاته . وكلّ نصيحةٍ نريد بها وجه الله ، طاعة .. وكلّ كلمةٍ أو حركةٍ أو حتّى سكنةٍ نبتغي بها مرضاة الله ، أمراً بمعروفٍ أو نهياً عن منكرٍ ، كلّ ذلك من الطَّاعات بإذن الله تعالى .
والحديث يدلُّ على أنّ الجماعة في الطاعة مستحبّة في ذاتها ، ولا سيّما إذا ترتب عليها فوائد كثيرة مثل : تآلف القلوب ، وتقوية الرّوابط ، وقضاء الأوقات فيما يفيد ، وتعليم الأمي الذي لم يحسن التعلم وإظهار شريعة الله تعالى .
روضة في دارك :
فكيف أختي الكريمة إن كانت تلك الرَّوضة هي دارك ، تجمعين فيها أخواتك في وقت معلوم أسبوعياً على الخير والطَّاعة وتنوين احتساب الأجر من الله تعالى على كلِّ أذى أو إزعاج قد يسببه أبناؤهن فتنالين بذلك الأجر مضاعفاً والله لا يضيع أجر المحسنين .
حاذري أختاه من اطمئنان الغافل ، واسعي دوماً إلى ربط روحك بحلق الذكر كي لا يتقلب قلبك وتتغير مشاعرك، فالجماعة تحفظ الفرد من شهوات نفسه ، وتترفع بها عن الخمول والكسل في الطَّاعات ، ليكون التنافس والتعاون والتعاضد في الخير والطَّاعات . فعن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول : (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ))، فقال أنس : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا ، قال : ((نعم ، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله ، يقلبها كيف يشاء )).رواه الترمذي .
هيَّا بنا نؤمن ساعة :
تتزاحم الواجبات والمسؤوليات عليكِ وتنسين نفسك في خضم المشاغل وينقضي نهار تلو آخر ، وبعدها توقنين أنَّ العمر غفلة، وأنَّ الأيام انقضت بسرعة ، وتتساءلين ... ماذا قدّمت لحياتي ؟؟؟ وتتذكرين سويعاتاً رائعةً انقضت ولم تنقضِ لذّتها ، السّويعات التي التقيتِ بها بأخواتك في رياض الجنة ، وكيف أوجبتها على نفسك رغم المشاغل ، وكيف جعلتها من أولى الأولويات في حياتك وكيف تقويت بها على تقلّب قلبك ، وأهواء نفسك ، ومغريات الحياة .
هكذا كان الصَّحابة رضوان الله عليهم ، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه لأحد إخوانه يذكره: ( اجلس بنا نؤمن ساعة "، فتلفقها ابن رواحة رضي الله عنه وأهداها لأبي الدرداء رضي الله عنه وهو آخذ بيده : ( تعال نؤمن ساعة ، إن القلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً).
هيا بنا نؤمن ساعة ... نتقوى بها على الطَّاعات
هيا بنا نؤمن ساعة ... تقف بيننا وبين المنكرات
هيا بنا نؤمن ساعة ... تقول لنا الملائكة من بعدها قوموا مغفوري الذنب .
هيا بنا نؤمن ساعة ... فالعمر ساعة ولا ندري لعل الساعة قريب .
أمسكي بيد أخواتك ، وامضي نحو رياض الجنّة ، قائلةً : (هيا بنا أخواتي نؤمن ساعة)امنحي قلبك الحياة من جديد ، وامضي إلى رياض الجنَّة ، لتسعدي في الدُّنيا والآخرة ...
حياةٌ للقلوب :
(مات قلبي ،، وعبثاً حاولت أن أعيد له الحياة ،، لم أبكِ فلا يبكي من لا قلب له ...
وتقلبت أحوالي إلى أن عثرت- بالصّدفة-على ضالّتي، وهي أعادت لقلبي الحياه ...
إنَّها أختٌ ترتاد روضة من رياض الجنة ، أمسكت بيدي وأخذتني معها إلى حيث الطمأنينة والسكينة ،، وهناك تحيا القلوب الميتة .)
تلك كانت كلمات أخت في الله قابلتها في إحدى رياض الجنَّة ، في لقاء الإيمان ...
لقاءٌ تتجدَّد فيه حياة القلوب ، وتفرّ إليه أرواح المؤمنين الراجين العفو والرحمة والمغفرة ، و به تسعد النفوس النقية ، وعند بابه يتلاقى المحبون في الله . يجتمعون في ظل شجرةٍ إيمانيةٍ وارفة الظلال ، ويحيون كل يوم بسعادةٍ وطمأنينة... فهم من رواد رياض الجنة ...
أختي الحبيبة ، يا من تبحثين عن الراحة والسعادة والطمأنينة والسكينة ...
امنحي قلبك الحياة من جديد ، وامضي إلى رياض الجنَّة ، لتسعدي في الدُّنيا والآخرة ...