مفهوم العدل وتطبيقاته

الرئيسية » بصائر تربوية » مفهوم العدل وتطبيقاته
alt

ماذا يحدث عندما يختفي العدل ؟ نعم، يتفشى الظلم : القوّي يفتك بالضعيف ، والقادر يسلب حقّ العاجز، والغالب يريق دم المغلوب ، والحاكم يهضم حق المحكوم ، والكبير يقهر الضعيف ، ولا مـخرج مـن هـذا الهـرج والمـرج إلاَّ بالعـدل فما مـفهوم العـدل ؟ وما أنـواعـه ؟

1-    العدل الأمريكي

•    دعنا قبل أن نبيّن مفهوم العدل أن نتأمل هذه الواقعة التي تفصح عن العدل البديل المعروض اليوم، وتروّج له وسائل الإعلام والدعاية على مستوى العالم .

•    رجل كان يمشي في حديقة من حدائق نيويورك، فجأة رأى كلبًا يهجم على فتاة صغيرة، فركض الرجل نحو الفتاة، وبدأ عراكه مع الكلب، حتَّى قتل الكلب وأنقذ حياة الفتاة ، في تلك الأثناء كان رجل الشرطة يراقب ما حدث، فاتجه الشرطي نحو الرجل وقال له : ( أنت حقاً بطل )
ـــ غداً خبرك سيكون في الجريدة تحت عنوان
{ رجل شجّاع من نيويورك ينقذ حياة فتاة صغيرة }
ـــ فقال الرَّجل : ( أنا لست من نيويورك )
ـــ فرد الشرطي : ليست هناك مشكلة سيكتب الخبر كالتالى :
{ رجل شجاع أمريكي أنقذ حياة فتاة صغيرة }
ـــ فقال الرَّجل : ( أنا لست أمريكياً )
فرد الشرطي مستغربًا : من تكون
أجاب : أنا باكستاني
ـــ فكان الخبر في اليوم التالي :
متطرّف إسلامي يقتل كلبًا أمريكياً بريئاً

2-    العدل الحقيقي
مفهوم العدل الحقيقي يقوم على ثلاثة أركان :  ( إعطاء كلّ ذي حق حقه ، وإن خيراً فخير وإن شراً فشر ، ومن غير تفريق بين أحد ) ، وهذا هو مفهوم العدل في الإسلام ، حتَّى تختفي الصور الكريهة في المجتمعات ، وإن حدث تهاون في أي جزء من هذه المفاهيم الثلاثة حدث خلل في العدل ، ولذلك فهي دوائر متداخلة، فلا يصح إعطاء كلّ ذي حق حقه مثلاً في الخير فقط، وليس في العقاب !! كما لا يصح إعطاء كلّ ذي حق حقه ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، ولكن بترك الكبير والشريف ، وتطبيقه فقط على الضعيف والمقهور والعاجز ، فالكل سواسية لا تفريق بين المستحقين .
وحاجتنا إلى العدل في كل لحظة : فقد بعث الله الرّسل وأنزل الكتب لإقامة العدل ، والـدليل في قولـه تعـالى : {لـقد أرسـلنا رسلنا بالبـينات وأنزلـنا معهـم الكـتاب ليـقوم الناس بالقسط} المائدة / 25 ( أى : العدل ) ، وقد شبه الله تعالى العدل بالميزان فهو لا يختل أبداً فالخلل من الناس ، ولذلك : فهو سبب للسَّعادة فالإنسان يتألم من سلب حقوقه ، وهو كذلك يأمن المجتمعات من الدمار والهلاك ، فكل مناجي التشريع ترتبط بصفة العدل في : ( نظام الإدارة ـــ نظام الحكم ـــ نظام القضاء ـــ نظام الأسرة ـــ نظام الأقتصاد ـــ نظام الاجتماع ـــ السلوك )

3 – كيف نحقق العدل ؟
1- عدل في الدنيا : يقول تعالى : {ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط } المائدة / 25 ، فعلى مرّ الزَّمان جاء الأنبياء والرسل ليدفعوا الظلم عن الناس ويمنعون ضرره وينشرون العدل ، ويكفي أنَّ أول جريمة على الأرض وأول معصية في الوجود ، أودت بحياة انسان بريء على وجه الأرض .
2- عدل في الآخرة : وهو الذي استأثر به الله تعالى يوم القيامة فلا يفلت الظالم من عقاب جرائمه، وإن أفلت منها في الدنيا ، فإن الله يمهل ولا يهمل ، وكذلك فالعادل لا يُحرم من أجره شيء ، والذي أعاده الله له جزاء تحمله ولقاء صبره لقوله تعالى : { ونضع الموازين بالقسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا } الأنبياء / 47 .
3 – عدل في الواقع  :
عدل شامل :
يدخل تحت هذا المعني جميع الموجودات : من الانسان بغض النظر عن دينه وفكره وخصومته ومحاربته ، لقوله تعالى : { ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا} المائدة / 8 ، وكذلك الحيوان فقد أقر وأمر الاسلام بعدم ظلمه من حبس أو تعذيب أو تجويع أو حتَّى تحميله فوق طاقته ، ولقد حفظ المسلمون قصة المرأة المؤمنة التى دخلت النار في هرة حبستها ، وكذلك المرأة البغي التى دخلت الجنة في كلب قدمت له شربة ماء فأنقذته من الموت ، وكذلك الكون كله قائم على العدل فلا الشمس تتقدم على القمر ولا الليل بسابق النهار ، حتَّى حركة أجهزة الإنسان وانفعالاته وردود أفعاله قائمة على العدل .
وعدل خاص بالإنسان :
سواء كان في علاقته مع نفسه أو مع الناس  أو في دولته ، فعدله مع نفسه : يوازن بين العقل والغضب والشهوة سواء كان العدل ذاتيًا نابعاً من كيانه أو أثراً من الخارج كعلم أو معرفة أو إدراك أو اقتداء ، وتتـجلّى صور العـدل مع النفس في عدَّة صور؛ مثل : العدل بين الجسد والروح،  والعدل بين العقل والفكر ، والعدل بين العمل والكسل، والعدل في الأخذ والعطاء .
وعدله مع الناس : نعـني به معتدل في الحقوق والواجـبات ، في البيع والـشراء ، والحكم والقضاء ، في الشهادة والأمانات ، في المنع والعطاء ، سواء كان أباً أو زوجًا أو حاكمًا ، والأدلة : يقول تعالى : { إن لله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} النساء / 58 .
وعدله في دولته : يعمل على استقرار واطمئنان المجتمع ، وحافز على العمل والإنتاج ، و نماء العمران وكثرة الخيرات والأرزاق ، والثقة بين أفراد المجتمع، يقول ابن خلدون : (اعلم أنَّ العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بأمالهم في تحصيلها واكتسابها ، لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها بين أيديهم، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب والعمران) ، ولذلك فالبديل - كما نري اليوم - إذا اختفي العدل هو الثورات والانتفاضات؛ مثل : غضبة الانتفاضة أمام الظلم الصهيونى، وغضبة الشعوب المحتلة ضد محتليها، وأخيراً : ثورات الشعوب لرفع الظلم الواقع عليها من أنظمتها المستبدة الظالمة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …