إلى كلِّ المتابعين للتحوّلات الحركية والتنظيمية والتربوية قدَّم الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله مجموعة من المقالات تبرز الإيجابيات القابلة للتطوير والتطوّر، والسلبيات القابلة للتَّصحيح والتحسين، ووضع لها دليلاً سمَّاه ((معاً نحو الهدف))، فالسَّير في هذا الطَّريق يقتضي تحديد المصطلحات، وتحديد الأهداف والوسائل.
يقول الشيخ محفوظ : (والمقالات تحمل هذا الهمّ المتعدّد، والذي لا يتحقَّق أي طموح ولا يتجسّد أي تطلّع ما لم نتدارك المسيرة بالنصح والتوجيه، وتحديد المعالم، وخطوط السير و {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.).
ويقول في مقدمة الكتاب : ( إنَّ هذه المقالات كتبت في مراحل تحوّلات جزائرية وعربية ملأى جنباتها وميادينها بالفتن الحقيقية والمفتعلة، والتي تفرض البحث في فضاءات صالحة للنمو والارتقاء، للوصول إلى حالة السمو الحركي والتنظيمي والسلوكي المقدمة الضرورية لكل تغيير منشود).
كلمات تجمع خيوط هذا الكتاب في منظومة واحدة متكاملة، لتشكل عنواناً واضح المعالم .. هو ((ثنائيات الوعي)) .. نعرض لأبرز مواضيعها، وملامح حياة مؤلفها في ذكرى وفاته الثامنة رحمه الله ..
(...ولمحفوظ براعة خططية تجلَّت في تمرّده على التجميع السائب، يوم آمن بالتنظيم المسوس بسياسة الحزم والرقابة، وأنكر وبالغ في إنكار الاكتفاء ببعث تيار إسلامي عريض منفتح...، ومن فنه في التوغل الآمن؛ إيمانه بإمكان العمل الانسيابي في داخل الآليات الديمقراطية المتاحة...) محمَّد أحمد الراشد
مع الكتاب:
-يقول الشيخ عبد الرّحمن شيبان؛ رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تقديم الكتاب: (إنَّ الشيخ محفوظ نحناح يرجع في مقالاته إلى خلاصة تجربته، وعصارة خبرته، التي أنضجتها حياة طويلة ممتدة، وما عاشه فيها من مواقف،وخاضه بنفسه من معارك، فهي إذن مقالات سطَّرها عليم خبير، وهي لذلك جديرة بأن تقرأ، بل أراها جديرة بأن تعتمد كمرجع في معاهدنا السياسية، يهتدى بها في فهم فهم تطوّر الفكر السياسي الإسلامي المعاصر في الجزائر على وجه الخصوص، وفي عموم الأمَّة العربية الإسلامية بصفة عامة، على اعتبار أن بلادنا جزء أساسي منها).
-قصة هذا الكتاب .. (ثنائيات الوعي) .. تبدأ بمقالات كان الشيخ محفوظ يخطّها بيده على أعمدة صحيفة النبأ الأسبوعية لسان حال حركة المجتمع الإسلامي (حماس) وقتها في الجزائر، وهي مقالات كانت الغاية من تأليفها أن يظل أبناء الحركة دائماً سائرين (معاً نحو الهدف)، مدركين طبيعة التحوّلات السياسية والاقتصادية التي كانت الجزائر تشهدها أثناء تلك العشرية السوداء.
-يقول أبو خالد الجنكي: ( أكاد أزعم أنَّ هذه المقالات وإن كان صاحبها لم يلتزم فيها الصرامة الأكاديمية والتأليف المنهجي، إلاَّ أنها تمثل جذر الإضافة الفكرية المنهجية المهمَّة التي قدَّمها الشيخ محفوظ لحقل الدَّعوة الإسلامية؛ إذ استطاع رحمه الله أن يعبّر بأسلوب جديد وبمنطق مسترسل عن جدلية (الوعي النّسبي) و (الفهم الوسطي) ..).
-ضمَّ الكتاب بين دفتين سبعة أبواب؛ وهي :
الباب الأوَّل:الحركة الواعية والتحدّيات الكبرى.
الباب الثَّاني: الحركة الواعية بين الأضداد.
الباب الثَّالث:الحركة الواعية والموازنات.
الباب الرَّابع:أنوار الفطنة تبدّد ظلام الفتنة.
الباب الخامس:نحو تربية تستدرك.
الباب السَّادس:الحركة الواعية .. التنمية والاقتصاد
الباب السَّابع:الحركة الواعية واللائكية الحركية.
- يحوي الكتاب 328 صفحة - وطبعته الدار المحفوظية بالجزائر، وقدَّم له كلٌّ من الشيخ عبد الرَّحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والشيخ مصطفى بلمهدي رئيس حركة الدَّعوة والتغيير - تحت التأسيس بالجزائر - والأستاذ عبد المجيد مناصرة.
(لقد أبحر الشيخ بسفينته وسط الأمواج العاتية، وابتغى لنجاتها كل سبيل غير مبال بسخط هذا أو ذلك، مشدوداً على هدفه في الوصول بها إلى ساحل النجاة،وخصوصاً وأنَّ مصير السفينة الوطنية ينعكس ليس على الحركة وحس، يشمل جملة المشروع الإسلامي بل الإرث الحضاري الإسلامي العربي المهدَّد، بل الدولة جملة كانت في مهب العواصف ..) راشد الغنوشي
مع المؤلف :
-هو الشيخ محفوظ نحناح، ولد عام 1942م في مدينة البُلَيْدَة القريبة من العاصمة الجزائرية.
-نشأ محفوظ نحناح في بيئة إسلامية وتعلّم اللغة العربية في المدرسة الإصلاحية العربية (مدرسة الإرشاد) التي كانت تمثل رمز المقاومة والدفاع عن شخصية الجزائر العربية الإسلامية، أمام سياسة الفرنسة، وعاش إرهاصات الثورة الجزائرية وهو فتى، وعندما نشبت الثورة التحريرية الكبرى عام 1954 انضمّ إليها، وشارك فيها.
-أكمل تعليمه الثانوي في الجزائر، والتحق بكلية الآداب - قسم اللغة العربية في الجامعة الجزائرية عام 1966.
-بدأ الشيخ نشاطه الدَّعوي عام 1962م بمساجد العاصمة والبليدة، و في سنة 1964 وضع الشيخ مع الشهيد بوسليماني رحمهما اللبنة الأولى في الجزائر للجماعة.
-عارض الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين في توجهاته العلمانية الاشتراكية، ودعا إلى توسيع نطاق الحريات السياسية والاقتصادية، فاعتقله بومدين، وقدّمه إلى محاكمة عسكرية واتهمه بمحاولة قلب نظام الحكم، وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً سنة 1975 وتعرّض ومن معه لألوان التعذيب الوحشي.
-شغل منصب مدير مركز التعريب في الجامعة المركزية في الجزائر العاصمة، وكان عضواً في رابطة الدعوة الإسلامية، ورئيس جمعية الإرشاد والإصلاح، ثمَّ أسس حركة المجتمع الإسلامي (حماس) عام 1991 التي حوّلها إلى حركة مجتمع السلم (حمس) تماشياً مع قانون الأحزاب الجزائري الذي يحظر الأحزاب بأسماء دينية.
-ترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت بالجزائر في نوفمبر 1995 وتحصل على المرتبة الثانية؛ أي: على أكثر من ثلاث ملايين صوت حسب النتائج الرَّسمية المعلنة، وتعدُّ هذه الانتخابات أول انتخاب شارك فيه الإسلاميون في العالم الإسلامي بمرشح يحمل هذا التوجه.
-شارك في عدَّة مؤتمرات وملتقيات دولية في أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا تتعلق بقضايا الإسلام والغرب وحقوق الإنسان والديمقراطية. والتقى أثناء زيارته لهذه الدول زعماء وكبار مسؤولي هذه الدول في كل من فرنسا وإسبانيا، السويد، الولايات المتحدة الأمريكية ، ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، سوريا، الأردن، المملكة العربية السعودية، السودان، قطر، الكويت، المغرب، ليبيا، وغيرها من الدول.
-أصيت بمرض عضال عانى منه كثيراً إلى توفي رحمه الله صابراً محتسباً داعياً إلى الله عزَّ وجل في 19 حزيران (يونيو) عام 2003م.
-وصفه الرَّاشد بقوله : ( ولمحفوظ براعة خططية تجلَّت في تمرّده على التجميع السائب، يوم آمن بالتنظيم المسوس بسياسة الحزم والرقابة، وأنكر وبالغ في إنكار الاكتفاء ببعث تيار إسلامي عريض منفتح...، ومن فنه في التوغل الآمن؛ إيمانه بإمكان العمل الانسيابي في داخل الآليات الديمقراطية المتاحة ...).
-وقال عنه الغنوشي : ( لقد أبحر الشيخ بسفينته وسط الأمواج العاتية، وابتغى لنجاتها كل سبيل غير مبال بسخط هذا أو ذلك، مشدوداً على هدفه في الوصول بها إلى ساحل النجاة،وخصوصاً وأنَّ مصير السفينة الوطنية ينعكس ليس على الحركة وحسب، بل يشمل جملة المشروع الإسلامي ، بل الإرث الحضاري الإسلامي العربي المهدَّد، بل الدولة جملة كانت في مهب العواصف).
في رثاء الشيخ محفوظ نحناح قال الشَّاعر الفلسطيني محمود صيام:
لله أنت وكم سعيت ليسعدوا وتسود فيهم نهضة وصلاح
فالشيخ ياسين القعيد لمثلهم بجهاده بين الورى فضَّاح
كنت القرين له تؤيّد دربه وتودّ لو درب الجهاد متاح