تعدُّ الأسرة – والوالدان بشكل خاص – المؤثّر الأكبر في بلورة شخصية الأبناء وتربيتهم؛ إذ يقضي الأبناء معظم وقتهم معهم، ويتشرَّبون أفكارهم واتجاهاتهم وقيمهم وسلوكياتهم، كما قال الشاعر:
ينشأ ناشئ الفتيان منَّا على ما كان عوَّدَه أبوه
إنَّ الآباء والأمهاتِ يمثلون نماذجَ الحياة الحقيقية بالنسبة للأبناء، فهم يتأثَّرون بسلوك آبائهم وأمهاتهم أكثر من تأثرهم بأقوالهم ونصائحهم، قال صلَّى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)). (أخرجه البخاري في صحيحه).
دور الأسرة ..
ويمكن توضيح دور الأسرة بالنسبة للأبناء من خلال الآتي:الأسرة هي المدرسة الأولى للعلاقات الإنسانية التي تعلم فيها أول دروس الحب والكراهية، والعدل والظلم وغيرها.
• إنَّها تمدّهم بالبيئة الآمنة التي توفّر احتياجاتهم وحقوقهم في جوّ من الحنان، كي يتمتعوا بشخصية متوازنة قادرة على الإنتاج والعطاء.
• تُعدّهم للمشاركة في حياة المجتمع والتعرّف على قيمه وعاداته؛ فهي تلعب دوراً حيوياً في تشريب الطفل ثقافة المجتمع وقيمه ولغته، ممَّا يهيّئ الطفل للحياة الاجتماعية والسّلوك بطريقة متوافقة مع سلوك الجماعة.
• وهي المسؤولة بداية عن توفير الاستقرار والحماية والرِّعاية للأطفال منذ ولادتهم، ولا يوجد ما يغطّي دورها أو ينوب عنها.
• وهي لا تلبّي الحاجات الأولية للفرد من طعام وملبس فحسب، وإنَّما تتعدَّى ذلك لتلبية حاجاته الإنسانية الأخرى كالحاجة للحب والانتماء، وتنقل من جيل إلى جيل التقاليد والقيم الثقافية والرُّوحية والأخلاقية.
• يكتسب الأبناء مفهومهم للعلاقة الأسرية، وتتشكَّل نظرتهم للرَّجل والمرأة وطبيعة العلاقة بينهما، ويدركون كيفية التواصل وحل المشكلات اليومية من خلال معايشتهم للكيفية التي يتعامل فيها الوالدان مع بعضهما ومع أبنائهما، وذلك كلِّه يعتمد على التفاعل داخل الأسرة وشكله ونمط رعايته وإشباع الحاجات الأساسية له.
عملية متكاملة ..
إنَّ تربية الأبناء عملية متكاملة، تبدأ في الأسرة ثمَّ تشارك فيها مؤسسات أخرى كالرَّوضة والمدرسة والأقران ووسائل الإعلام .. ولكلٍّ منها أهمية، إلاَّ أنَّ دور الوالدين والأسرة بشكل عام يبقى هو الأهم والأساس الذي يجب أن نحافظ عليه قال تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} . (النساء:11).
وقال صلَّى الله عليه وسلّم)) :كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ، وهي مسؤولة عن رعيتها(( . (أخرجه البخاري في صحيحه).
ومن المفيد هنا إدراك أنَّ هناك عوامل كثيرة أثرت في دور الأسرة التربوي في العصر الحديث، مثل عمل الأم خارج المنزل ، والغياب الطويل للأب عنه نتيجة ساعات العمل الطويلة ، كما حدث تغيّر نسبي في شكل الأسرة وانتقالها من ممتدة إلى شبه ممتدة ونووية، وانتشار وسائل الإعلام المختلفة واستخدام الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي بكثرة من قبل الأبناء.... وما تخلقه هذه الظروف الجديدة من فرص وتحديات في الوقت نفسه، وهو ما يُقلق الوالدين أحياناً ويجعل حياة معظم الآباء والأمهات عرضة لأن تكون مليئة بأشكال القلق والتوتر المختلفة، ممَّا يلقي على كاهل الأسرة أعباء ومسؤوليات للتخفيف من آثار هذه الظروف على أفرادها.اتفق علماء النفس على أهمية التفاعل بين الآباء والأبناء، وأثر هذا التفاعل في نمو الأبناء وتطور هويتهم الشخصية وصحتهم النفسية..
حتَّى لا نفقد الدور المطلوب!
(1)على الوالدين بداية أن يتخلصا قدر الإمكان من ضغوطات القلق نتيجة التحدّيات التي قد تواجه أسرتهما، لأنَّ خوفهما وقلقهما، ينتقل حتماً إلى الأبناء سواءً بطريقة شعورية أو لا شعورية .
(2) علينا كآباء وأمهات أن نتذكر بأنَّ الأبوة والأمومة هي من أجمل الخبرات التي نمرّ بها وأكثرها ثراءً ، ولكن ذلك لا يعني أنها لا تتضمن صعوبات ومشكلات ... فالسّهر طوال الليل أو مرض الأطفال أو مشاغباتهم وعنادهم ومتطلباتهم المادية ... كلّها متوقعة ، علينا أن لا نتوقَّع حياة بلا تحديات أو أخطاء .
(3) تنقصنا جميعاً الخبرة اللازمة، فالأمومة والأبوة الحقيقية لا تكون إلاَّ عندما نجرّبها بأنفسنا، ومع هذا نبقى بحاجة للاستشارة والتأهيل والتدريب لتأدية واجباتنا التربوية ، خاصة في وقتنا الرّاهن وما يميّزه من تعقيدات الحياة، وتعدّد مؤسسات التأثير في توجيه الأطفال وتربيتهم ، فالأمومة والأبوة من أهم وأخطر الأمور التي نقوم بها رجالاً ونساءً ولم يعد مقبولاً أو مبرراً أن نقوم بها بدون تأهيل وتدريب، فلنبحث عن مستشارين تربويين نسألهم رأيهم في بعض المشكلات التي تواجهنا، ولنسأل عن دورات تأهيلية تقدّمها بعض المؤسسات التي تعنى بالطفولة، أو لنقرأ الكتب المتخصصة التي تقدم لنا الخبرات المناسبة في تربية الأبناء وفي فهم سلوكياتهم وحلّ مشكلاتهم.
(4) يستحق أبناؤنا أن نعلّمهم كافة المهام والمهارات والكفاءات التي تمكنهم من التفاعل الإيجابي النشط في مختلف سياقات ومواقف الحياة. ويمكن القول: إنَّ الأسرة هي المدرسة الأولى للعلاقات الإنسانية التي تعلم فيها أول دروس الحب والكراهية، والعدل والظلم وغيرها. وبقدر ما تبذل الأسرة من جهد في إقامة العلاقات الإنسانية الجيدة بين أفرادها تكتسب شخصية الأبناء خبرة هامة في التعامل مع الآخرين. لذلك يجب على الوالدين تعلم فن الوالدية ومهاراتها كوظيفة اجتماعية مطالبين بأدائها على أكمل وجه وعليهم تعليم أبنائهم فن التعامل مع الآخرين ابتداء بالوالدين ومروراً بالإخوة والأخوات، وانتهاء بكل أفراد المجتمع.
إنَّ أساليب المعاملة الوالدية تعبّر عن أساليب التعامل مع الأبناء وأنماط الرعاية الوالدية في تنشئة الأبناء. وقد اتفق علماء النفس على أهمية التفاعل بين الآباء والأبناء، وأثر هذا التفاعل في نمو الأبناء وتطور هويتهم الشخصية وصحتهم النفسية، ممَّا يدفعنا للحديث عن الرِّعاية الوالدية وأنماطها المختلفة، وهو ما سنتناوله في المقال القادم، إن شاء الله تعالى.