راسين في الحلال

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » راسين في الحلال

"نبحث عن عروس و يقولون: إنّك تعرفين الكثير من الفتيات" ب
هذه العبارة كلمتني الكثيرات من الأهل و الأصدقاء و أصدقاء الأصدقاء، و لا أعلم إن كان شيء في هيئتي يوحي بأنِّي أعمل "خاطبة" أو أعرف جميع فتيات الأردن في سن الزَّواج!!!  و ما دام لخير، فإنّي لا أمانع أن أسير في حاجات النَّاس حتّى أقضيها لهم، و يسعدني أن أكون محل ثقتهم.
و أوَّل معلومة أسأل عنها قبل أن أتدخّل إن كان الشاب يصلّي، فإذا كان الجواب إيجابياً سألت عن باقي التفاصيل و الطلبات، و إن كان سلباً اعتذرت، فمن لم تصلح علاقته بربّه لن تصلح علاقته بابنة النَّاس، و من لم يراع جلال الله في نفسه لن يراعي حرمة النّساء في حياته
طبعاً، أستمع بعد ذلك إلى التفاصيل المتكرّرة دائماً، و التي تشكل طلبات أم العريس في عروس ابنها و التي لكثرة الإلحاح عليها أصبحت قناعة لدى الشاب نفسه؛ وهي: طويلة، نحيفة، بيضاء، عيون ملوّنة، و بنت عيلة، و قد يزيد البعض شروطاً في التعليم و السّن و الحالة المادية و الاجتماعية
و لكنَّ التركيز على المظهر أمر أساسي في الانتقاء، و ربّما أعذر الأمهات و الشباب، و أتذكر حديث الرّسول صلّى الله عليه و سلّم : ((إذا نظر إليها سرته)).
 ثمَّ أعود و أذكِّر أنَّ الجمال نسبي، و أنَّ البواعث على السّرور مختلفة، و مقاييس الجاذبية في النساء تختلف من رجل الى آخر، و لذا قيل : (المرأة العظيمة تلهم الرّجل، أمَّا المرأة الذكية فتثير اهتمامه، بينما المرأة الجميلة لا تحرّك في الرّجل إلاَّ الشعور بالإعجاب، و لكنَّ المرأة العطوفة الحنونة وحدها هي التي تفوز به في النهاية).
 فالمشاعر المتدفقة هي التي تكسب حسب هذا القول، و كأنَّ الرَّجل يبحث في زوجته عن أوّل قلب أحبّه؛ ألا و هو قلب أمِّه، كما تبحث المرأة في الزَّوج عن خصال أبيها حناناً و احتضاناً و رجولةً.
و أحيانا يتملكني السَّخط على اللاهثين وراء المظهر أولاً، و أتذكّر صديقة لي كانت لجمالها "تحل عن حبل المشنقة"، و لكنّها كانت تقول: لو كان الرجل "دونجوان" زمانه جمالاً، و قارون عصرنا ثراءً ما حرّك في قلبي نبضة إعجاب إلاَّ أن يكون على خلق و دين، فلماذا تركّز النساء على الأهم بينما ينسى الرِّجال المهم و الأبقى من العيون الزّرق و طول النخلة و خصر كضمة الورد؟!
ثمَّ منذ متى أصبح جمال العربيات شقاراً و صفاراً و عيوناً بألوان الطيف السَّبعة و نحولة تقترب من المرض؟؟!
رحم الله جريراً عندما قال في أغزل بيت نقله تاريخنا:
إنَّ العيون التي في طرفها حور   قتلننا ثمّ لم يُحين قتلانا
و الحَوَر وصف جمال في النساء عندما تكون العين شديدة السّواد محاطة ببياض ناصع،
و لم يقل: العيون التي في طرفها زراق و لا خضار و لا لون فئراني و لا عيون كعيون القطط و لا غيرها ممَّا تفتقت به صناعة العدسات اللاصقة!!زوّج فقيه المدينة سعيد بن المسيب ابنته العالمة إلى تلميذه الفقير بدرهمين، بينما رفض مصاهرة الخليفة عبد الملك بن مروان في ابنه الوليد..
لقد أصبح الجمال المصطنع رائجاً، و قليل يعرفون الفرق بين الصورة القبلية من غير إضافات و تحسينات، و المنتج النهائي الذي لولا خضوعه لساعات طوال من التلوين و الشدّ و السّحب و الطرق و النفخ لأصبح حال كثير من النساء كما وصفته أمهاتنا الشَّاميات فقلن : " لولا علبة مكي (مكياج) كانت الحالة بتبكي".
و بعض الرِّجال يريدون فتاة من أيام "ستي و ستك" غير متعلمة و لا مثقفة لأنَّهم من خلال عملهم اكتشفوا أنَّ المرأة المتعلمة أصبحت متكبّرة و ساخطة و متجبّرة، و لذا قسم أحد الخبثاء المرأة إلى أربعة أقسام، ناصحين الرِّجال أن يؤثروا السَّلامة و الرَّاحة مع "القطة المغمضة" على أن يتزوّجوا امرأة عاقلة تعرف من أين تؤكل الكتف، و تسأل عن الكبيرة و الصغيرة، فقال: 
النساء أربعة:
فامرأة تدري و تدري أنَّها تدري            فهذه مصيبة فاجتنبوها
و امرأة تدري و لا تدري أنّها تدري       فهذه حلوة بلهاء فطاردوها
و امرأة لا تدري و تدري أنها لا تدري     فهذه غبية قبيحة فاطردوها
و امرأة لا تدري و لا تدري أنها لا تدري    فهذه لقطة العمر فتزوّجوها
و كلّ هذه المواصفات سلباً أو إيجاباً تدور في نطاق الطبيعي و الموجود، و لكن أن يطلب الناس كل هذا في زوجات المستقبل و فوقه جنسية بلد أجنبي، فهذا ممّا يثير الحنق و الاستهجان، و يحول الزّواج من بيت مبني على المودة و الرَّحمة لإعمار الحياة و الأرض الى شركة استثمارية و صفقة مادية و بوليصة تأمين!!!
هل هو بؤس أحوالنا في الدول العربية الذي وصل بنا إلى هذه الحالة و هذه المتطلبات؟ أم تردّي تفكيرنا و أخلاقنا؟ ألهذا يهرب رجال العرب إلى بنات الغرب، مرحّبين أيضاً بتوفير تكاليف المهر و الزواج؟
و الأدهى أنَّ بعضَ الرِّجال قد يطلب هذا في النساء و يفصل و يتدلل على هواه و هو لا يساوي "قشرة بصلة" لا أخلاقاً و لا علماً و لا عملاً، و حتَّى لو لم يتزوَّج، فالرَّجل لا يعيبه شيء كما يقال، بينما المرأة يتلبسها لقب عانس و تصبح مصنّفة ضمن المشاكل الاجتماعية!
و لكن يبقى في البشر من يضربون القدوة و يصلحون الحال و يعدلون كفة الميزان، و يعودون بنا إلى الزَّمن الجميل يوم زوج فقيه المدينة سعيد بن المسيب ابنته العالمة إلى تلميذه الفقير بدرهمين، بينما رفض مصاهرة الخليفة عبد الملك بن مروان في ابنه الوليد، فها هي معلّمة سعودية من أسرة الغامدي المعروفة تطلب الزَّواج من الدَّاعية السعودي المعروف عبد الله بانعمة، و هو من أصحاب الاحتياجات الخاصة و مشلول شللاً كاملاً منذ الصّغر، و لكنَّه طاف العالم داعياً إلى الله، رغبة في أن تعينه و تشاركه الدَّعوة و الأجر.
تصدمنا هذه النماذج و تظهرنا أقزاماً أمام أنفسنا و نحن نطوف من بيت الى بيت، و نعاين الفتاة تلو الفتاة، و نكسر القلب إثر القلب دونَ أن نحصل مبتغانا في الكمال الأنثوي!! فمتى نثوب إلى رشدنا رجالاً و نساءً؟
قيل: إنَّ شاباً ذهب إلى شيخ مشهور بالتقوى و الخبرة، و سأله رأيه في فتاة يريد أن يتزوّجها، فقال له الشيخ:صفها، فوصفها بأنَّها ليست ذات مال، فأخذ الشيخ قلماً و ورقة و كتب عليها صفراً،ثمَّ قال: و هي تقرض الشعر، فكتب الشيخ صفراً ثانياً، فأضاف الشاب: و هي جميلة جدّاً، فوضع الشيخ صفراً ثالثاً، فأكمل الشاب: و هي تتقن أمور المنزل، فوضع الشيخ صفراً رابعاً، فقال الشاب: و تحمل شهادة في الدراسات العليا، فوضع الشيخ الصّفر الخامس، و قال الشاب: و كلّ معارفها من عليه القوم، فأضاف الشيخ صفراً سادساً، و أخيراً قال الشاب: إنَّها رضية و تقية الأخلاق، فكتب الشيخ الى جانب الأصفار رقم واحد، ثمَّ ناول الشاب الورقة، و قال له: إنَّها تساوي مليوناً!
فهل فهمنا الدَّرس؟

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …