الحسيني….. بطل القسطل

الرئيسية » هيا نشد الرحال » الحسيني….. بطل القسطل

قبل استشهاده بيوم واحد خاطب الجامعة العربية بقوله:
(جئتكم أطلب سلاحا لأدافع به عن فلسطين، أمّا وقد خُذِلت فأُبلّغُكُم أننا لن نرمي السلاح حتى النصر أو الشهادة، أنا ذاهب إلى القسطل ولن أسأل أحدكم أن يرافقني لأنني أعرف حقيقة مواقفكم، ولكني أحذركم بأن التاريخ سيكتب أنكم خذلتم الأمة وبعتم فلسطين وأن التاريخ لا يرحم أحدا..)
صدقت يا بطل القسطل.. لقد كتب التاريخ أنهم خذلوا الأمة وباعوا فلسطين، وكتب أيضا أنك لم تتوانى عن نصرة فلسطين طوال حياتك التي ختمتها وأنت في الأربعين من عمرك دفاعا عن تراب فلسطين...

المولد والنشأة:
هو عبد القادر بن موسى كاظم بن سليم الحسيني المولود في استانبول عام 1908م، في أسرة مقدسية أصيلة، كان لها دور وطني فاعل.
شغل والده عدة مناصب في الدولة العثمانية وتنقل بين اليمن والعراق وتركيا، حيث كان من وجهاء مدينة القدس وكان بيته على الدوام ملاذا للمجاهدين والمفكرين الوطنيين، قاد خلال حياته العديد من المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني منذ عام 1920م، وتوفي نتيجة إصابته بإحدى المظاهرات التي كان يصحبه فيها ابنه عبد القادر.
تلقى عبد القادر تعليمه في القدس، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية عام 1927م التحق بالجامعة الأمريكية ببيروت ولنشاطه الوطني تمّ طرده منها، فالتحق بالجامعة الأمريكية بالقاهرة (قسم الكيمياء) وحرص على ألا يظهر نشاطه حتى ينال الشهادة الجامعية.
وفي حفل تخرجه حيث كان من المتفوقين ألقى خطابا أعلن فيه أن هذه الجامعة لعنة على هذا البلد بما تبثه من سموم و أفكار، وأنه سينادي الحكومة المصرية أن تعمل على إغلاقها، فأعلنت الجامعة سحب الشهادة منه، وعمّت الفوضى لأنه كان من الطلاب المعروفين، فقد أسس خلال دراسته رابطة للطلبة الفلسطينيين وكان يرأسها، وحسما للموقف تقدم عبد القادر وأعاد الشهادة للجامعة، وتقدّم أيضا ببيان لكافة الصحف المصرية، يشرح ما حصل، وكان الجزاء طرده من مصر بأمر من حكومة إسماعيل صدقي، عاد بعدها للقدس عام 1932م.

عمله في الصحافة:
عمل محررا في العديد من الصحف و الجرائد (جريدة الجامعة الإسلامية، جريدة الجامعة العربية، وصحيفة اللواء) ولأثر مقالاته كانت سلطات الاحتلال البريطانية تغلق الصحف التي كان يعمل بها وتعلق عودتها للعمل على توقف عبد القادر عن الكتابة فيها..
ثم ترك الصحافة وعمل في إدارة تسوية الأراضي، وعمل جاهدا على تحويل كثير من أراضي القرى إلى أوقاف إسلامية حتى لا يتمكن اليهود من الاستيلاء عليها، وأوقف ما يستطيع من عمليات بيع دبرها البريطانيون لصالح اليهود.
قصته مع السلاح والجهاد:
منذ نعومة أظفاره أبدى عبد القادر اهتماما بالسلاح، فكان يجمعه ويتدرب عليه ويتعرف على أنواعه المختلفة منذ بلوغه اثني عشرة ربيعا.
وفي العام 1935م تسلم إدارة مكتب الحزب العربي الفلسطيني في القدس وبدأ بتنظيم وحدات سرية ودربها وجهزها بالسلاح وقد عرفت هذه الوحدات فيما بعد باسم جيش الجهاد المقدس.
وفي العام 1936م قاد الحسني الثورة الكبرى، وكان جنوب القدس مسرح العمليات العسكرية، حيث بدأ جيش الجهاد المقدس بمهاجمة القطارات الإنجليزية وقطع خطوط الهاتف والبرق، والهجوم على الثكنات العسكرية البريطانية، وقد انضم لثورته الكثير من المجاهدين ومنهم من بقي من رفاق عزالدين القسام.
وقد قاد الحسيني عدة معارك كانت أكثرها ضراوة معركة الخضر في 4 اكتوبر عام 1936م حيث أصيب فيها بجروح بالغة، ووقع فيها أسيرا لدى البريطانيين، ووضع في المستشفى العسكري بالقدس، فقام رفاقه بهجوم جريء وتمكنوا من  تحريره وإخراجه من المستشفى ونقلوه ليستكمل علاجه في دمشق، واستجابة لنداء اللجنة العربية العليا في 13 أكتوبر 1936م توقفت الثورة.
بعد أن شفي عبد القادر قرر العودة لفلسطين وتسلّم قيادة الثورة، وأعلن استئنافها من جديد وكانت أهم معاركه تلك الفترة معركة بني النعيم في يوليو 1938م ولكنها كانت معركة غير متكافئة، دامت 40 ساعة سقط خلالها الكثير من الشهداء، وفي النهاية انسحب الثوار لقلة المؤن لديهم، وكان عبد القادر من بين الجرحى مجددا، فنقل إلى دمشق مرة أخرى للعلاج.
وبعد تحسن صحته ذهب إلى بغداد، والتحق بدورة ضباط بالكلية العسكرية وتخرج برتبة ضابط وحين قامت ثورة رشيد الكيلاني عام 1941م لم يستطع إلاّ أن يشترك مع العراقيين في ثورتهم ضد الاحتلال البريطاني، لكن الثورة فشلت فحاول الحسيني اللجوء إلى إيران مع عدد من رفاقه إلا أن المحاولة باءت بالفشل، فقبض عليه وحكم بالسجن.
ظل الحسيني معتقلا حتى تدخل الملك عبد العزيز آل سعود للإفراج عنه عام 1943م، فأقام في السعودية فترة ثم ذهب لألمانيا عام 1944م وتلقى هناك دورة تدريبية على تصنيع المتفجرات وتركيبها، بعدها انتقل للقاهرة واتصل بقوى المقاومة الوطنية والإسلامية ووثق علاقته بالإخوان المسلمين، ثم عمل على تجميع الأسلحة لصالح المقاومة الفلسطينية ودرب بعض الفلسطينيين والمصريين على عمل المتفجرات، وحاولت الحكومة المصرية آنذاك إبعاده ولكن ضغط القوى الوطنية حال دون ذلك.

أعطني ما طلبت وأنا كفيل بالنصر:
بعد إصدار الأمم المتحدة قرارها المتعسف بشأن تقسيم فلسطين عام 1947م قررت الهيئة العربية الكبرى تشكيل منظمة الجهاد المقدس المسلحة واختارت الحسيني قائدا عاما، فعاد لفلسطين واتصل بقادة الجهاد وأنشأ خلايا فدائية وفرق قناصة، و عندما اطمأن للأوضاع أعلن الجهاد المقدس على المحتلين، ورغم قلة الإمكانات بأيدي الثوار إلاّ أنهم حققوا انتصارات عدة ونسفوا بعض المؤسسات التي يملكها اليهود مثل (الوكالة اليهودية بالقدس، ودار الصحافة الصهيونية) وسيطروا على كامل مدينة القدس وتحكموا بطرق مواصلاتها.
لكن لم يكن بإمكان الثوار التقدم دون مساندة، فاتجه الحسيني لدمشق حيث كان مقر اللجنة العسكرية للجامعة العربية وطلب منها السلاح ليقاوم به اليهود الذين يزدادون قوة يوم بعد يوم ولكن دون جدوى، وفي هذه الأثناء جاءته أنباء عن سقوط قرية القسطل وتحكم العصابات اليهودية بطرق مواصلاتها وكان ذلك يهدد القدس نفسها، حيث كانت قلة السلاح عقبة في وجه الثوار الذين أبلوا حسنا لعدة أيام دفاعاً عنها.
ولما علم بهذا وجّه كلامه إلى طه باشا الهاشمي المشرف العام على اللجنة، وقال له: (يا باشا إن القسطل حصن منيع ليس من السهل استرجاعها بالبنادق الإيطالية والذخائر القليلة التي بين أيدينا، أعطني السلاح الذي طلبته وأنا أستردها، لقد كانت خطتي إلى الآن أن أحاصر القدس والمستعمرات اليهودية، وأن أمنع عنهم وصول الإمدادات العسكرية والمؤن، ونجحت خطتي، حتى اضطر اليهود أن يمونوا رجالهم في القدس وفي المستعمرات بالطائرات، أما الآن فقد تطور الحال وأصبح لدى اليهود رجال وطائرات ومدافع، وليس باستطاعتي أن أحتل القسطل إلا بالمدافع، أعطني ما طلبت وأنا كفيل بالنصر).
لكن طلبه لم يجد استجابة عند هؤلاء فقال لهم في غضب: (أنتم خائنون، أنتم مجرمون سيسجل التاريخ أنكم أضعتم فلسطين، سأسترد القسطل، وسأموت أنا وجميع إخواني المجاهدين).
عاد الحسيني لفلسطين ومعه 60 بندقية انكليزية قديمة و10 مدافع وبضعة قنابل وقبل منتصف ليل 7 ابريل 1948م شن الحسيني هجوما عليها مع رفاقه ودخلوها فاتحين، ولكن صباح اليوم التالي وجد الثوار جثمان الشهيد عبد القادر الحسيني عند أول بيت من بيوت القسطل، و كانت كالصاعقة بالنسبة للمجاهدين الذين لم يبقوا سوى ساعات بالقرية وتمكن الصهاينة بعدها من احتلالها مرة أخرى.
دفن الشهيد في اليوم التالي بجانب والده بين باب الحديد و باب القطانين، في جنازة مهيبة.
قضى الشهيد الحسيني حياته، حاملا هم القدس وفلسطين، وحاول جاهدا أن ينقذ ما يستطيع من أرضها، ولذلك سجل التاريخ اسمه في صفحاته المشرقة، وسجل في صفحاته السوداء أسماء أولئك الذين باعوا فلسطين وبخلوا بأقل ما يمكن أن يقدموه لنصرتها، كما قال الحسيني قبل يوم من استشهاده.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

“يا قدس إنّا قادمون” مسابقة إلكترونية من شبكة مساجدنا

بمناسبة مرور 44 عاماً على إحراق المسجد الأقصى المبارك، وفي إطار الحملة الإعلامية للدفاع عن …