المشرف التربوي، المسؤول التربوي، المربِّي، مصطلحات مفادها البناء والتربية ولا مشاحاة في الاصطلاح فهي تصب في مصبّ واحد ومستقاة من معين واحد، فلابدَّ أن يستشعر المشرف التربوي ثقل الأمانة المناطة به، وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه مصداقاً لقوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً} فأمانة التَّربية من الأمانات التي سوف يسأل عنها كلّ مشرف يوم القيامة قال صلَّى الله عليه وسلّم: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))، وقال: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)).
إنَّ هذه النصوص العظيمة لتحتم علينا استشعار الأمانة وتحمّل المسؤولية، وبذل أقصى جهد في تربية ونصح وإرشاد من ولانا الله ولايتهم هذا ما أكَّده نائب المرشد السَّابق لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمَّد حبيب في حواره حول المربّي ودورة في بناء الصَّف المسلم، فإليكم التفاصيل:
بصائر : ماهي المعايير التربوية لاختيار النقيب ؟
المربّي أو النَّقيب هو حجر الزَّاوية في العملية التربوية، وعليه يتوقف نجاحها أو إخفاقها، ومن ثمَّ يجب أن يتم اختياره بعناية وفق معايير واضحة ومحدّدة
المربّي أو النَّقيب هو حجر الزَّاوية في العملية التربوية، وعليه يتوقف نجاحها أو إخفاقها، ومن ثمَّ يجب أن يتم اختياره بعناية وفق معايير واضحة ومحدّدة؛ أهمها أن يتوفّر لديه الفهم الدَّقيق والعميق للدَّعوة، فكراً ومنهاجاً ووسائلَ وأهدافاً وتاريخاً، ممارسته وإيمانه بالشورى، خبرته العملية الطويلة، قدر لا بأس به من العلوم الشَّرعية، أصول الفقه، الوعي السياسي، علم النفس، الإدارة، التخطيط، المتابعة، فضلاً عن حسن الخلق، علو الهمَّة، صدق العزم، قوَّة الإرادة، الطاقة الإيمانية العالية، الرَّأفة، الرَّحمة، رحابة الصَّدر، سعة الأفق، لين الجانب، الشّجاعة الأدبية، الزهد، التقى، الورع.
بصائر: ألا ترى أنَّ هذه الصفات من الصَّعب توافرها في المربّي بهذه الدَّرجة ؟
نعم، من الصَّعب توافرها إلاَّ في فرد ذي علاقة طيبة مع خالقه، لأنَّ من المعلوم بداهة أنَّ البشر يتفاوتون في خصائصهم ومقوّماتهم، وأنَّ النفس الإنسانية كالبصمة بمعنى أنَّ لكلِّ إنسان خصوصيته، قد يتشابه مع آخرين فى بعض الملامح والقسمات، لكن التطابق غير متحقّق ، كما أنَّ الإنسان في وقت الضيق غيره فى وقت اليسر، وفى وقت الحزن غيره في وقت السَّعادة، لذا كانت مهمَّة المربِّي شاقة.
بصائر: لماذا ترى أنَّ مهمَّة المربِّي صعبة ؟
إن اختيار المربين وإعدادهم وتأهيلهم ومتابعتهم من أجل وأخطر الأعمال في حياة الجماعة، ومن ثمَّ يجب أن تنال حظها ونصيبها من اهتمام القيادة.
أرى أنَّ مهمَّة المربّي شاقة وصعبة ومعقدة خاصة فى مجتمع ومناخ يفتقد الكثير من الصّفات الحسنة، ومن هنا أؤكِّد أنَّ اختيار المربين وإعدادهم وتأهيلهم ومتابعتهم من أجل وأخطر الأعمال في حياة الجماعة، ومن ثمَّ يجب أن تنال حظها ونصيبها من اهتمام القيادة.
بصائر: ما هى المحاضن التربوية داخل جماعة الإخوان المسلمين ؟
الأسرة الإخوانية هي المحضن التربوي الأصيل عند الإخوان، وهي الصيغة العبقرية التي وفَّق الله تعالى إليها الأستاذ الإمام حسن البنا، وهي اللبنة الأولى في البناء، بل هي أساسه وعمدته ووقوده وطاقته.
بصائر: ألا ترى أنَّ هذه المحاضن تحتاج إلى تطوير ؟
الأسرة هي المحضن التربوي الذي وفق الله الإمام الشهيد حسن البنا في وضعها، ولا تحتاج إلى تطوير بقدر ما يحتاج أعضاؤها إلى تعدّد الوسائل والارتقاء بالمربّي.
بصائر: ما هي مقوّمات الأسرة الإخوانية ؟
ترتكز الأسرة على ثلاثة أركان رئيسة؛ هي التعارف والتفاهم والتكافل، وهى شرط لوجودها، وهي تختلف عمَّا نطلق عليه مهام الأسرة، والتي تتضمَّن الدَّعوة الفردية، المشاركة في العمل العام، إنفاذ ما يصلها من تكاليف، إسداء النصح للمسؤولين، التفكير للجماعة
بصائر: ما المقصود بهذه الأركان ؟
لكلِّ ركن من هذه مغزى وهدف يراد أن يتحلَّى به الأخ في هذه الأسرة؛ فمثلا التعارف يقصد به أن يتعرَّف أفراد الأسرة الإخوانية على بعضهم البعض من حيث طبيعتهم الشخصية الإيجابيات ـ السلبيات ـ القدرات ـ الإمكانات ـ الطاقات ـ المهارات ـ المزاج النفسي والعصبي والوجداني حتَّى يمكن الاستفادة من طاقات الإخوان وتوظيفها واستثمارها في الأعمال الدَّعوية المختلفة، وفي الوقت ذاته علاج السلبيات من خلال برنامج تزكية مناسب، وإذا لم يتم العلاج أو تمّ بشكل جزئي فهنا يمكن تجنّب إسناد بعض المهام التى تتطلب خصائص معينة هي غير متوفرة في هذه الشخصية أو تلك . كما يتعرّف أفراد الأسرة على الظروف الاجتماعية والاقتصادية لكلِّ منهم حتَّى لا يكون هناك تكليف غير ملائم لهذه الظروف.
وكذلك التفاهم؛ ويقصد به أن تكون العلاقة الحاكمة بين الأفراد أساسها الإسلام، وأنَّها مضبوطة بقواعده وقيمه وآدابه، من حيث القيادة والجندية القائمة على المودة والمحبَّة والثقة والاحترام المتبادل الشورى وحرية الشورى، التناصح، العلاقات الإجتماعية، التعاملات المادية
أمَّا التكافل ويقصد به تحقيق معنى الإيثار بشكل عملي بين أفراد الإخوان، إذ أن ذلك يؤدي إلى قوَّة التَّرابط والتلاحم والتماسك، فضلاً عن الموّدة والمحبَّة والتَّراحم وهي تمثل في مجملها قيما علياً ومعانيَ مهمَّة وضرورية لحياة الجماعة.
بصائر: ألا ترى أنَّ هذه الأركان من الصَّعب تحقيقها بسهولة في ظل هذه الأجواء؟
تحقيق هذه الأركان ليس بصعوبة بقدر احتياجه إلى نية صادقة معايشة لصيقة بين أفراد الإخوان، ومن خلالها يتعلمون قيم الإسلام، بل إنَّهم يمارسونها بصورة عملية ثقافةً وأخلاقاً وسلوكاً، ويظهر أثر هذه الأركان فيما بعد في المستويات المتقدّمة حيث يكون الأداء متميّزاً ، والفاقد يكاد يكون معدوماً.
بصائر: هناك العديد من المشكلات بين أفراد الأسرة الواحدة، فما سبب ذلك ؟
العامل الرئيس في ظهور العديد من المشكلات التي تصدر من أفراد الأسرة الواحدة عند هذه المستويات ترجع في المقام الأوَّل إلى عدم معايشة هؤلاء الأفراد لهذه الأركان معايشة حقيقية.
السبب الرَّئيس في ذلك أنَّ هؤلاء الذين يزعمون أنَّ الإخوان يغلبون التنظيم على الإسلام لا يعرفون شيئاً عن طبيعة الأسرة الإخوانية، ولا عن دورها في خدمة الإسلام وإعداد الفرد المسلم.
بصائر: دائماً يتهم الإخوان على الرَّغم من كلّ ذلك بأنَّهم يغلبون التنظيم على الإسلام، فما السبب ذلك ؟
السبب الرَّئيس في ذلك أنَّ هؤلاء الذين يزعمون أنَّ الإخوان يغلبون التنظيم على الإسلام لا يعرفون شيئاً عن طبيعة الأسرة الإخوانية، ولا عن دورها في خدمة الإسلام وإعداد الفرد المسلم.