استجاب الله سبحانه وتعالى لدعاء زكريا عليه السَّلام: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}. (مريم:3-6)، فقال الله تعالى :{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا}. (مريم:7).
يقول الشهيد سيّد قطب : (إنَّه فيض الكرم الإلهي يغدقه على عبده الذي دعاه في ضراعة، وناجاه في خفية، وكشف له عمَّا يخشى، وتوجه إليه فيما يرجو. والذي دفعه إلى دعاء ربه خوفه الموالي من بعده على تراث العقيدة وعلى تدبير المال والقيام على الأهل بما يرضي الله. وعلم الله ذلك من نيته فأغدق عليه وأرضاه).
عاش يحيى عليه السَّلام حاملاً رسالة ربّه بأمانة وصدق، وفيّاً لأمانة والده زكرياً بقوَّة ويقين، وكان أهلاً لتنفيذ خطاب الله تعالى له بقوله: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}. (مريم:12). والكتاب في هذه الآية هو التوراة كتاب بني إسرائيل من بعد موسى، وقد ورث يحيى أباه زكريا، ونودي ليحمل العبء وينهض بالأمانة في قوة وعزم، لا يضعف ولا يتهاون ولا يتراجع عن تكاليف الوراثة. وبعد النداء يكشف السياق القرآني عمَّا زوَّد به يحيى لينهض بالتبعة الكبرى، وهو في ذلك يعطي حملة الرّسالة اليومَ والدَّعاة إلى الله والمربّين خصائص ومقوّمات النجاح في العمل التربوي والدَّعوي: { وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}. (مريم:13-15).
1-الحنان صفة ضرورية للنّبي المكلَّف ولورثتهم من العلماء والدعاة والمربّين، رعاية للقلوب والنّفوس، وتألفها واجتذابها إلى الخير في رفق ولين وحب.
2-الطَّهارة والعفَّة ونظافة القلب والطبع؛ يواجه بها أدران القلوب ودنس النفوس، ليؤثر في الآخرين وتنعكس أخلاقه وطبائعه المدعوين والمتربين.
3-التقوى وصلة القلب بالله سبحانه، مراقباً له ، يخشاه ويستشعر رقابته عليه في سرّه ونجواه.
ومن المواقف التي ذكرتها كتب السنة النبوية عن حياة نبي الله يحيى عليه السٍّلام، موقف حدث في رحاب المسجد الأقصى المبارك الأسير تحت قبضة الكيان الصهيوني وآلة حربه المجرمة - نسأل الله أن يفك أسره وأن يرزقنا صلاة فيه وهو محرَّر بإذن الله تعالى - هذا الموقف حضره نبي الله عيسى عليه السَّلام، ورواه لصحابته وأمته خاتم الأنبياء محمَّد صلَّى الله عليه وسلّم، فاجتمع في هذا الموقف المبارك ثلاثة أنبياء؛ عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا، ومحمَّد بن عبد الله، عليهم أفضل الصَّلاة وأزكى التسليم..
ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي في سننه، والحاكم في مستدركه، عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أنَّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((إنّ الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات، أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطّئ بها. قال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمَل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أن آمرهم. فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يُخْسَف بي أو أُعَذّب، فجمع النَّاس في بيت المقدس، فامتلأ وقعدوا على الشُرُف. فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ وآمركم أن تعملوا بهنّ:
عاش يحيى عليه السَّلام حاملاً رسالة ربّه بأمانة وصدق، وفيّاً لأمانة والده زكرياً بقوَّة ويقين، وكان أهلاً لتنفيذ خطاب الله تعالى له بقوله: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}. (مريم:12)
1-أولاهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وإن مَثَل مَن أشرك بالله كمَثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو وَرِقٍ فقال هذه داري وهذا عملي فاعمل وَأَدِّ إِلَيَّ، فكان يعمَل ويؤدِّي إلى غير سيّده، فأيُّكم يرضى أن يكون عبدَه كذلك.
2-وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صليّتم فلا تلتفتوا، فإنَّ الله يَنْصِبُ وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت.
3-وأمَرَكم بالصِّيام، فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مِسْك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإنَّ ريح الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك.
4-وأمَرَكُم بالصَّدقة، فإنَّ مثل ذلك كمثل رجل أَسرَه العدو، فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أَفْدي نفسي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم.
5- وأمَرَكُم أن تذكروا الله، فإنَّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في إثره سراعاً، حتّى إذا أتى على حِصْن حَصين فأَحْرَزَ نفسه منهم، كذلك العَبْد لا يحرز نفسه من الشَّيطان إلاّ بذكر الله)).
إنَّها محطات مضيئة للدُّعاة والمربّين من سيرة نبي الله يحيى بن كريا عليهما السَّلام، ونصائح غالية من معين النبوّة تحتاج منَّا إلى وقفات تأمّل حتَّى نأخذها بقوَّة.