قال رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام : ((فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ)). (أخرجه البخاري ومسلم).
ومن بين من ينطبق عليهم هذا الحديث الشريف صحابية مؤمنة صابرة ثابتة، شهد عليها التاريخ أنَّ الرَّسول الكريم عليه الصَّلاة والسَّلام كان أحبَّ إليها من نفسها وأبنائها .
هي المجاهدة العظيمة بإيمانها وتواضعها وصبرها وثباتها ورباطة جأشها، أم الشهداء، آمنت بالله ورسوله وزرعت في روح أولادها الرَّغبة في الجهاد والدفاع عن الدَّعوة الإسلامية ضد الكفار، ربتهم بأنَّ عليهم واجباً تجاه عقيدتهم الإسلامية ليسود الحق والخير والحب وينقشع الظلام والجهل والعبودية.
إنَّها سميراء بنت قيس الأنصارية ، وقيل : السميراء بنت قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار ، وأمها سلمى بنت الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، تزوَّجها عبد عمرو بن مسعود بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار، فولدت له: ( النعمان ) و ( الضحاك ) شهدا بدراً ، و( قطبة ) قتل يوم بئر معونة شهيداً ، و ( أم الرياع ) مبايعة ، ثم خلف على السميراء الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار ، فولدت له : ( سليم ) شهد بدراً وقتل يوم أحد شهيداً ، و ( أم الحارث ) مبايعة.
((فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ)). أسلمت السميراء بنت قيس - رضي الله عنها - وبايعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم ،و حين خرج المسلمون إلى غزوة أحد ، سارعت السميراء تحث ولديها ؛ النعمان بن عمرو ، وسليم بن الحارث للنفرة مع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، ثمَّ تمضي من خلف الركب النبوي ، مع نفر من نساء المسلمين تستطلع أخبار القتال ، واحتدم القتال ، وإذا بفارس يقترب ، نهضت إليه تستوقفه ، وتسأله عن أخبار المعركة ، فعرفها الفارس فنعى إليها ولديها النعمان وسليم ، فما فعلت؟ هل لطمت الخدود وشقت الجيوب و سقطت على الأرض مغشيا عليها؟ ؟
لا ، وإنَّما قالت:- ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ،تسأل الرَّجل عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فأخبرها أنه بخير ، فأبت إلاَّ أن تراه بعينها ، فتنسى مصيبتها بفلذات أكبادها ويتهلل وجهها قائلة :- كلّ مصيبة بعدك جلل يا رسول الله .حبيبي يا
ولمَّا أحضروا ولديها الشهيدين قبلتهما وحملتهما على ناقتها ، ورجعت بهما إلى المدينة وقابلتها عائشة أم المومنين رضي الله عنها فقالت : ما وراءك يا سميراء ؟قالت : أمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بحمد الله بخير وأمّا المسلمون فقد اتخذ الله منهم شهداء ، وأمّا الكافرون فقرأت قوله تعالى : { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال } ، قالت عائشة رضي الله عنها : فمن هؤلاء الذين فوق الناقة يا سميراء ؟ قالت : هما ولداي ، النعمان وسليم ، قد شرفني الله باستشهادهما ، وإنّي لأرجو الله أن يُلحقني بهما في الجنة .
نحن بأمس الحاجة اليوم إلى أمهات كمثلك لنتعلم منهن دروس التضحية والثبات وقوَّة الإيمان ونستخلص العبر بأنَّ الآجال مقدَّرة من عند الله عزَّ وجل، وأنَّ الفوز بالشهادة هو الانتصار الحقيقي والمنتظر.
ليتقبل الله جهادك وصبرك يا سميراء، ويتقبل أبناءك، وجمعنا وإيَّاك في مقعد صدق عند مليك مقتدر، مع النبيين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
المراجع:
- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر
- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر