(الوقاية خير من العلاج).. هذه الجملة نسمعها في المجال الطبي؛ فهي تعني أنَّ الإنسان يستطيع أن يتلافى الإصابة من بعض الأمراض، وذلك بتحصين نفسه منها، ولكننا هنا نقصد بها الوقاية الإيمانية للفرد المسلم خير من الانتظار حتَّى وقوع الإصابة، فإذا كان الإسلام وقائياً في الطب الجسدي، فإنه كذلك في كلِّ المجالات الأخرى.
ولتكون عملية التربية فاعلة يجب أن تعتمد مبدأ الوقائية سواء في مجال العقيدة أو العبادة، وتزيل كلّ رواسب الماضي، ثمَّ إعادة بناء الشخصية وفق الأسس والأولويات الشرعية.
وقائية العقيدة
والإسلام وقائي في مجال العقيدة، فاطمئنان القلوب ثمرة من ثمرات معرفة الله تعالى وذكره، والقلوب المتصلة بالله الذاكرة لا تعرف القلق الذي تعيشه المجتمعات غير الإسلامية والذي أورثها الأمراض العصبية المختلفة ودفع بها في طريق الجريمة والانتحار إلى الدرك الأسفل، وصدق الله إذ يقول: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}. (الرَّعد :28).
وهو وقائي في مجال العبادة، إذ إنَّ الاستقامة والبعد عن الفحشاء والمنكر ثمرة من ثمرات الصَّلاة والصَّوم وغيرهما، فالوقائية تبدو جلية في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}. (العنكبوت:45)، وفي قوله " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. (البقرة:183)، وكما قال الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم فيما أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه: ((الصُّومُ جُنَّةٌ)). أي: وقاية.
ذاتية العلاج
يجب أن يكون الفرد المسلم عارفاً بأمراض النفس؛ كالعجب والرياء والحقد والحسد وغيرها .. وأن يكون مراقباً لنفسه في كلِّ عمل يقوم به، ثمَّ يحاسب نفسه ويراجعها إذا رأى منها حياداً عن الحق.
البناء السليم
إنَّ البناء القويَّ يجب أن يكون له أساس قويٌّ مغروس في أسفل الأرض، وكلما كان الأساس قويّاً كلّما زادت إمكانية البناء أدواراً أكثر، وضرب الله لنا مثلاً في القرآن بالشجرة : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)}. (إبراهيم: 24-26).
إذن الشجرة الطيبة جذرها ثابت مغروس في الأرض لا تستطيع الرِّياح أو العواصف أن تقتلعها بسهولة، وهكذا الفرد المسلم سليم التربية يكون قويّاً ثابتاً بمرور الوقت وكثرة المحن.
ولنا في صحابة الرَّسول رضوان الله عليهم أجمعين خير أسوة؛ هؤلاء هم بناء الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم ثمرة تربيته كانوا أقوى الناس في مواجهة المحن والابتلاءات؛ بلال يوضع على رمال مكَّة السَّاخنة وتوضع فوقه الأحجار ويقول: (أحد أحد)، وعمَّار بن ياسر تقتل أمه ويقتل أبوه أمام عينه ولا يتزحزع عن دينه.ولذلك، فإنَّ هذا البناء شيء لازم قبل الدخول إلى معترك الصراع، لأنه يمثل مناعة خاصة وطاقة وقائية .
التخلية قبل التحلية
عملية التربية حتَّى تكون فاعلة وجذرية ووقائية يجب أن تعتمد مبدأ التَّخلية قبل التَّحلية؛ أي: إزالة رواسب الماضي ثمَّ إعادة بناء الشخصية وفقا للأسس والأولويات الشرعية .
لذا يجب على المربِّي عمل كشف حالة حتَّى يتعرَّف أفكارَ المتربِّي وتصرفاتِه وعلاقاتِه ومشاكله ونقاط القوَّة والضّعف ومكان الخير والشر فيه .
إنَّ نجاح عملية التربية يرتبط بمدى قدرة المتربِّي على تحديد نقطة البدء، لأنَّ البداية الصَّحيحة تحقِّق النهاية الصَّحيحة، وفي كثير من الأحيان يكون منشأ الفشل في عدم معرفة المربِّي أين يبدأ ؟ وكيف يبدأ ؟